القرن الواحد والعشرون ومخاطر التحديات
بقلم د. برهان عليوي-سوريا
شهد النصف الأخير من القرن العشرين المنصرم تغيرات عديدة أثرت في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية سواء على صعيد المجتمع الواحد أم على صعيد العالم كله وتتراوح هذه التغيرات بين نهاية عصر الاستعمار بشكله القديم إلى سقوط المعسكر الشرقي إلى الانفجار السكاني الهائل مع تراجع وتقلص الموارد الطبيعية إلى ارتفاع حدة الأصوات المنادية بالحرية والديموقراطية ، كما تميز القرن الماضي بظهور حركات التمرد الاجتماعي كثورة الزنوج في أمريكا وثورة النساء المطالبة بالمساواة في الحقوق والواجبات مع الرجل ..،وقد تنامى هذا الموقف الرافض بالموازنة مع تناقض الأوضاع والإديولوجيات وتنوع وتباين المؤثرات الثقافية ذلك القرن إلى جانب التطور التكنولوجي الكبير في وسائل الإعلام وارتبط بها من تدفق المعلومات وزيادة الاطلاع على أساليب الحياة وأنماط السلوك البشري التي تسود المجتمعات المتقدمة ،وبذلك كانت الفجوة عميقة وواسعة وفاصلة مابين أنماط السلوك المكتسب عن طريق التأثير الخارجي وبين اتساق القيم الموروثة وخاصة في مجتمعات العالم الثالث الذي تنتمي إليه المجتمعات العربية ،وإزاء هذا الوضع تبدو الحاجة ملحة لقيام نمط من القيم الجديدة ينسجم مع هذه الأنماط الطارئة مما يتطلب البحث عن نوع من القيم التي يمكن ان تسود في مجتمع الغد والتي يفترض أن تتلاءم مع الظروف والأوضاع العامة لهذا القرن.
والحديث عن ملامح القرن الواحد والعشرين ومواكبته بكل متغيراته ومساراته المتسارعة تبدو في استشراق المستقبل الذي لايعني بالضرورة إغفال الموروث أو إسقاطه لإن الحياة الاجتماعية والثقافية سلسلة متصلة الحلقات تؤلف وحدة متكاملة باستثناء حدوث الثورات الكبرى التي تمثل حالة انكسار استثنائية في تلك السلسلة ،وهذا الأمر ينطبق على المجتمع العربي بكل تراثه الفكري والأخلاقي العميق والطويل الذي يحتاج إلى إعادة قراءاته وتفسيره في ضوء الظروف المستجدة والمتسارعة .
كذلك مايميز القرن الواحد والعشرين هو الانفتاح الواسع الذي يشمل السياسة والثقافة والاقثصاد والبنى الاجتماعية. هذا الانفتاح الذي يساعد على الاطلاع على حقيقة الثقافات الأخرى ومعرفة رموزها مما يؤدي إلى احترام ثقافة الآخر . كذلك مايميز القرن الماضي المطالبة بالحقوق المدنية وبخاصة في مجتمعات العالم الثالث مع إقرار حقوق الأقليات العرقية والدينية .
ولعل من أبرز تحديات القرن الواحد والعشرين يتجلى في محاولة كسر سياسة الهيمنة التي تريد بعض الدول فرضها من خلال منطق التفوق والقوة .
هذه الأوضاع الجديدة تتطلب وجود منظومة من القيم الاجتماعية والثقافية التي تتلاءم معها وتعطيها الدعم المكاني كواقع قائم فعلا مع توفير قدر أكبر من إبداء الرأي والمشاركة فى صناعة القرار إلى جانب العمل على تقوية روح الانتماء الوطني والقومي .
أمام مخاطر هذه التحديات يبدو لزاما على النخب الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية إعمال الفكر العقلاني من أجل رصد هذه التحديات ومواجهتها ومعالجتها لما فيه مصلحة أمن واستقرار شعوب المنطقة والعالم.
