د. زهير راضي زاهد
[size=32]على ضفاف الجائحة[/size]
بعد أن تأمل برهة لنخلته التي تم اقتلاعها يوم أمس لتصبح أمام ناظريه جذعاً ممدداً كأنه جسر قد تم قصفه. أسف بداخله، فوحدها هي من تحمل ذكريات قاد عاشها بالقرب أو في داخل داره الذي بناها منذ عقود لتشهد صراعات مستمرة قد تناوبت عليه كمجموعة من الحمقى وهم يغتصبون فتاة.
كان يريد تحضير محاضرة عن فايروس كورونا الذي سوف يلقيها لطلابه يوم غد. هَمَّ بتسمية محاضرته بـ "ڤايروس كورونا المستجد" لكنه مسح كلمة مستجد كونه لم يعد ذلك. عاد لمكتبه في بيته ونافذته المطلة على الحديقة، فقام بغلق الستارة لكي لا يرى ذلك الجذع المدد. كان يحاول مراراً تبسيط محاضراته لتكون سهلة ومفهومة لدى طلابه ولكي يمنحها صبغة أدبية. حبه للأدب هو من يحفزه للمزاوجة ما بين مهنته كأستاذ في كلية الطب وما بين نصوصه الأدبية.
ذلك الأستاذ الذي سيحال إلى التقاعد قريباً المتململ في صمته، لا يعرفه الكثير. قربه من الآخرين دائماً ما يتستر بصبغة الريبة والحذر. أن تكون أستاذاً في علم المجهريات هو عليك التعامل مع أشياء في غاية الخطورة وتلك الأشياء عادة ما تكون غير مرئية. فوحدة الوجود لديه ترتكز على اللارؤيا.
" تحيط بنا، تغلفنا، تنشر في الزوايا وعلى السطوح تتربص بنا هي وأخواتها فاصحة عن هويتها رغم صغر حجمها المتناهي، فيمكننا إعطاء لها وحدة قياس نانوميتري، فيتعذر رؤيتها بالعين المجردة. ممكن للمجهر الالكتروني رسم صورتها المستديرة والمزودة ببروزات أونتوءات بروتينية دبقة وهي سر قدرتها على اختراق خلايانا. نتعايش معها بحدر كمحتل غي مرحب به، وفي حالة اللاوعي نقاومها بمناعتنا الذاتية والمكتسبة عن طريق الغذاء الصحي واللقاحات ووضع الكمامات والتباعد المكاني.
اعتمرت تاجاً (كراون) متبخترة في زحفها الخبيث منتقلة إلى عالمنا الذاتي منذ اول ظهور لها في مدينة ووهان الصينية في منتصف تشرين الثاني / نوفمبر 2019، ليشاع اسمها الغير مرحب به بِـ كوڤد-19.
تحضر اجتماعاتنا عنوة متسللة إلى خلايانا بخبث مستمدة الحياة منها رغم كونها جزيئات ميتة. ويلعب غلافها البروتيني الدبق وهو ما يعرف بالبروتين السكري دوراً في عملية الالتصاق بالغشاء الخلوي. الجهاز التنفسي أولاً وغيره من أجهزة الجسم لاحقاً. عندها تتحول المادة الوراثية وهي ما تعرف بالحامض النووي الرنا إلى مصنع لمضاعفة الڤايروسات داخل اجسامنا اعتماداً على خاصية الرنا في التضاعف وحصول الطفرات.
تفصح هذه الجائحة عن خفاياها بعد أشهر عدة من ظهورها على شكل أعراض ملعونة قد تفضي إلى الموت وكأنها تنظيم إرهابي سري.
فقدنا أعزاء، لا الصراخ ولا العويل قد ينقذنا أما هذا الجزيء الخارق، ومن داخل قاعة الاجتماع تغادر الڤايروسات قواعد اللعبة، مكشرة عن أنيابها بحثاً عن ضحية غافلة أو جاهلة.
حاول أحد علماء الرياضيات البريطانيين تقدير كتلة الڤايروس المكانية لجميع مناطق العالم حتى توصل إلى نتيجة ان كتلته مجمعة لا تتعدى حجم علبة كولا المعدنية. حيرت تلك الجائحة العلماء مثيرة فضول الكتاب لنسج قصص وروايات أدبية لا تخلو من نكهة سياسية أحياناً. هذه الأنشطة والفعاليات تؤكد على مواجهة البشرة من قبل للأوبئة والكوارث كالطاعون الذي حصد أرواح الملايين من البشر وكذلك الكوليرا.
وللأطفال نصيب من الحكايات في زمن الكورونا إذ إزدادت عزلتهم ومعاناتهم بسبب التعليم عن بعد مما انعكس على مستوى التعليم في العالم. وكوابيس تطاردهم من الم وخزة اللقاح، وللعزلة آثار قد تفضي إلى التوحد كمرض مكتسب. وكذلك الكبار قد يعانون من ألم الوحدة، إضافة إلى الجوانب الاقتصادية والمعيشية.
قدد تحقق القسم الأعظم من قصص الخيال العلمي الذي عشناها في طفولتنا، صمت يسود المكان يمنح مخيلتنا صوراً مستقبلية مشوشة. "
كانت تلك آخر محاضرة قد القاها لطلابه والتي لم تكن تخلو من الصورة الأدبية، منوهاً إلى أن تلك المخلوقات الخطيرة متعايشة معنا ويمكنها حضور حتى اجتماعاتنا السرية. كان يتخيلها وهي تحول البشرية إلى خراب أشيبه بالمنشار الذي قطع نخلته التي رافقته سنين حياته ليحيلها إلى كتلة جامدة لا حياة فيها.