رسائل الادباء ..من غائب طعمة فرمان الى الخليلي
د.مؤيد عبد الستار
رسائل الادباء ..من غائب طعمة فرمان الى الخليلي
كانت تربطني بالاديب الراحل عبد الغني الخليلي علاقة صداقة ودية .التقيت به في مدينة ستوكهولم وتبادلنا الزيارات والاحاديث والرسائل ، ومن بين تلك الرسائل صورة رسالة الاديب الراحل غائب طعمة فرمان . ولكونها وثيقة تاريخية تلقي الضوء على جانب من حياة الاديب غائب طعمة فرمان ، قررت نشرها لكي تكون بين يدي القراء والادباء توثق جانبا من اهتمام ومشاعر الاديبين الخليلي وفرمان .
ادناه نص رسالة الخليلي ونص رسالة غائب مع الصور.
حبيبي مؤيد
كان حبيبنا غائب الغائب .. ذلك المسافر الذي لن يعود مثل اخي علي الخليلي ..لكن ما تركا عندنا من الذكريات يكفي بتذكارها أن نعيش بها طول الحياة ، وهما معنا يقاسموننا حلاوة الكاس ومتعة الوفاء والتغني بالوطن الذي حلما بالعودة اليه ..
عند قراءتك لرسالة الحبيب غائب ..ترى كيف كان يستحث ركب الشتاء البغيض الى نفسه ..وحتى الربيع وان كان بديعا بخضرته وازهاره واطياره يريده أن يستعجل بالرحيل ليقبل الصيف ففيه يجد راحته الابدية .
وفي ذلك الصيف غاب عنا ..ولم نعد نراه الا مع ( النخلة والجيران ) في ذلك الوطن البعيد...
الخليلي
ملاحظة : رسالة الخليلي غير مؤرخة وعلى الارجح تعود لاواسط التسعينات.
رسالة الاديب غائب طعمة فرمان الى الاديب الراحل الخليلي مؤرخة في 6 / 1/ 1990
نص رسالة غائب طعمة فرمان
عزيزي أبا فارس الوردة
حبي وتمنياتي بأن تكون سنتنا الجديدة يُمنا وبركة وعشقا للحياة، وتطلعا ، وراحة بال ، وشبابا متجددا يستمد حيوته من بحيرات استوكهولم العذبة ومن سفر حافل بالذكريات.
لعلّ رسالتي قد وصلتك. الشهرين الاخيرين من السنة الماضية قضيت كالمحمول على موجة عاتية يأكلني القلق، وتستبد بي الوساوس . ولهذا تعجلت أن يهلّ العام الجديد ، لعلّ شيئا جديدا يهل في حياتي ، وأنا ما أزال أعلل نفسي بذلك.ربما هو الشتاء اللعين ، أو شيء في الداخل ينخر كالفأر اللعين أحاول أن اسكته فلا اوفق الا ساعات.او ربما لدقائق. ولكن ماحيلة المضطر الا ركوبها . أقصد الحياة والغربة ، ولواعج الشوق ، وفقدان الحركة، وبعد الاحباب ، وقلة الجدوى، واحكام الحصار، وشحة المردود ، وقصر ذات اليد ، ونهم الفؤاد ، وجشع العين .. الى آخر ذلك ..
ولكننا في انتظار الربيع ، ثم الصيف، وتخضر الدنيا وتشرق الشمس، ويلملم الشتاء أرديته البيضاء كالاكفان.
هل أطلت عليك ؟ انه من كثرة الشوق، يا ابافارس . الشوق المطل من كل أنملة ، ومن كل رفة جفن ..
كيف أحوالك ؟ ما ازال أذكر غرفتك الوضاءة والصالون الانيق ، حيث كنت تفترش الارض وتدب نحو التلفون تبشُ برنينه الجميل لتستمع الى صوت صديق ومحادثة جميلة .. ما أزال اذكر مطبخك العامر وانت تقلب المركة ، وتحمس اللحم الخالي من الشحم ، ما أزال اذكر واذكر.. والذكرى كما تعرف ، تقرب من نزح.
أحوالي كما هي .. ما أزال أترجم .. ولكنني سأتقاعد بعد شهرين .. ومع ذلك فان هذا التقاعد لايحصنني .. فسارتبط بترجمة كتاب لعل ما احصل منه يشيل شحة تقاعدي الهزيل. وقد طلبت أن اوقع العقد على أن تدفع المكافأة بالعملة الاجنبية ، فاشترطوا عليّ أن يكون لي عنوان خارج الاتحاد السوفيتي تبعث اليه المكافأة في حالة اتمام الترجمة وتسليمها ، وقد أبحت لنفسي أن أكتب عنوانك ، يا أبا فارس ، فلا تفاجأ ..
ان كل ذلك بسبب الروتين الحقير .. فلعلهم يدفعون اجرة الترجمة بالعملة السويدية .. القابلة للتحويل ..
وعلى كل حال ، فان كل ذلك يستغرق سنة كاملة اذا امتد بي العمر واتممت ترجمة الكتاب ، وهو الجزء الثاني من كتاب ..بطرس الاول ، لالكسي تولستوي .
بالمناسبة لم يصدر حتى الان أي شيء من مجلدات -الدون الهادئ- وحالما يصدر سأرسل لك بالتأكيد ما سيصدر.
ارسل لك مع الصديق العزيز جميل كتابي - المركب - و - السبحة - التي وعدتك بها .طلعت فيروزية وليست خضراء كما تصورتها .. والظاهر ان حبي للسيدية جعلني اتصورها خضراء .
أما - مذكرات دجاجة - فلحد الان لم اعثر عليها بين كتبي ، ولكنني سارسلها لك حالما اعثر عليها هذا عهد مني لك .
كيف احوال الولدين العزيزين فارس وسامر ؟ تحياتي القلبية لهما وتحياتي الى جميع الاصدقاء احمد المرتجى وشاكر وجمال وابي طيف والى القادمين الجدد موجات وموجات ، والى كل من تحبهم ..
ودمت لاخيك
المخلص غائب
...................
*غائب طعمة فرمان : ولد ببغداد عام 1927 وتوفي في موسكو عام 1990 .
له عدة روايات أشهرها رواية النخلة والجيران .
ترجم عن الادب الروسي أعمال تورجنيف - 5 مجلدات - اضافة الى أعمال مشاهير الادباء الروس مثل تولستوي ودستويفسكي وبوشكين .
** عبد الغني الخليلي :
هو الاديب الراحل عبد الغني الخليلي النجفي البغدادي
كان اديبا من اتراب العلامة حسين مروة والجواهري والمخزومي.،تعرض للتهجير سيء الصيت الى ايران في ثمانينات القرن الماضي ثم انتقل للعيش في السويد واقام في ستوكهولم مع اسرته حتى وفاته عام 2002 م . له كتاب عن سيرة حياته بعنوان : سلاما يا غريب.صدر عن دار المدى .