كي لا ننساهن.... المحسنة اليهودية راحيل حييم حاخام اسحق
داود كركوكلي
كي لا ننساهن.... المحسنة اليهودية راحيل حييم حاخام اسحق
الزمن: منتصف عشرينيات القرن الفائت المكان: بغداد... بين أزقة (كوچ) حي التوراة كان يقف طفل يهودي، وعلى مدى كل يوم، مادا ذراعه الصغيرة يستجدي بها قلوب المشاة بصوته الغض ليتصدقوا عليه ببضع مسكوكات معدنية قد تكفي لتسد رمقه في اخر يومه المثقل بالهموم.
من شناشيل دارها، القريبة من كنيس مير الياهو، كانت عينا راحيل حييم تتابع وبشفقة هذا الفتى الكفيف ابن العاشرة والتي كانت ملابسه تدل على حال عائلته المتعففة. بقت صورة هذا الطفل الكفيف تطارد راحيل التي قررت أن تأخذ المبادرة لتمد ساعديها لأطفال مثله حرموا من نعمة البصر وصاروا عالة تثقل كاهل ذويهم ومجتمعهم.
وتبلورت لدى راحيل فكرة إنشاء دار لتأهيل المكفوفين وحظيت بدعم مطلق من زوجها الوجيه ابراهيم حييم واولادها. وتحمس للفكرة المدرسون بمدرسة راحيل شحمون آنذاك الاستاذ انور شاؤول، والحاخام موشي سوفير مدرس مادة الدين واللغة العبرية، وعزرا حيا مدرس الرسم وتجندوا لإخراج فكرتها حيز التنفيذ.
لم تكن مهمة إقناع أسر الاطفال، بتسجيل فلذات أكبادهم المعاقين في الدار سهلة فقد طرقت السيدة راحيل أبواب عوائلهم باباً باباً حتى أنها كانت تدفع، في بعض الاحيان، المال لبعضهم، لتحفزهم للسماح لأولادهم المكفوفين بالدوام في الدار التي فتحت أبوابها عام 1926.
وهكذا وبجهود الخيرين والخيرات والطاقم الذي ترأسه الاستاذ انور شاؤول تأسست وسجلت "دار مؤاساة العميان" رسميا عام 1929 وقامت بإدارتها المربية فيكتوريا العماري ونائبتها جوليت رجوان، 84 طفلا وطفلة. وانتقلت الدار عام 1935 إلى بنايتها الجديدة بمحلة التوراة والتي تبرع بتكاليف إنشاءها وتأثيثها المحسن الكبير اليعازر خضوري وأطلق اسم المرحوم والده "سيلاس خضوري" عليها. واقيمت حفلة افتتاح كبيرة احيتها فرقة الدار الموسيقية.
شملت الحصص الدراسية، بالإضافة لمواد الدين والقراءة بأسلوب بريل، تعليم الحرف التالية: حياكة الكراسي، الكمبار، عتبات الدور، الحصران، المراجيح والمحفظات. وبالطبع كان تعليم الموسيقى أحد أبرز المواد والتي أثمرت عن عازفين اجادوا فنهم، منهم داود اكرم وإبراهيم سلمان، حتى أن الفرقة بدأت بالظهور والعزف بالحفلات عام 1930 وكانت تؤدي قطع موسيقية أسبوعية تبثها اذاعة بغداد. اما الفتيات فقد تعلمن فن الخياطة والتطريز. وكانت الدار تقدم لطلابها، مما يجود به المحسنين، وجبة ساخنة ظهيرة كل يوم.
توفيت المحسنة راحيل في 20 من فبراير /شباط عام 1944 اقامت لها لجنة دار مؤاساة العميان حفلة تأبينية كبيرة في 28 نيسان 1944 بمناسبة مرور شهر على وفاتها حضرها رئيس الطائفة الحاخام ساسون خضوري وعدد غفير من وجهاء وداعمي هذا المشروع العظيم.
هذا المشروع الإنساني الكبير، الذي رفع هذه الشريحة من أسفل المجتمع وحولها بجهود المحسنة راحيل حييم والطيبين مثلها إلى عمال وعاملات مهرة وفنانين مبدعين يكسبن عيشهم بعرق جبينهم، لم يتوقف حتى 1950-1951 بعد الهجرة الجماعية ليهود العراق.
تحية ووقفة اجلال لروح المرحومة راحيل حييم التي مضى على رحيلها سبعة عقود ونيف لكنها ستبقى خالدة بإنسانيتها وعطاءها.
*تم الحصول على معظم المعلومات من موسوعة "شتات وتحرر" لإبراهام توينا الجزء الخامس باللغة العبرية – 1977.