لقد تكلَّم يوحنّا مُطوّلًا عنِ الإيمان الحقيقيّ والمعرفة الصحيحة. إنّ الجزء الأساسيَّ من الإيمان السليم هو انتهاجُ الحيا
كاتب الموضوع
رسالة
Dr.Hannani Maya مؤسس الموقع
عدد المساهمات : 17237 تاريخ التسجيل : 07/09/2015
موضوع: لقد تكلَّم يوحنّا مُطوّلًا عنِ الإيمان الحقيقيّ والمعرفة الصحيحة. إنّ الجزء الأساسيَّ من الإيمان السليم هو انتهاجُ الحيا الثلاثاء مارس 08, 2022 12:48 am
اقتباس :
تدقيق: أ. د. حسيب شحادة مقدّمة لرسالة يوحنّا الأولى
تظلُّ رسائلُ يوحنّا الثلاث، الواردة قُبيْلَ نهاية العهد الجديد، غيرَ مألوفة لكثير من الناس. ولكن بالنسبة لأولئك الذين اِطّلعوا عليها جيّدًا، فإنّها تحتلّ عندهم مكانةً مرموقة ؛ وهذه الرسائلُ تستحقُّ، بدون أدنى شكّ، الدراسة.
أوّلًا، إنّ إطلالةً خاطفةً على رسالة يوحنّا، تُبيّن لنا أشياءَ كثيرة. أولاً، إنّها ليست رسالةً بالمعنى الدّقيق للكلمة. إنّها لا تحْتوي في مستهلّها على أيّ ذِكْر، لا لاسم المرسِل ولا لاسم المرسَل إليه. وبالتالي، فإنّ الرسالةَ لم تكنْ موجّهةً إلى كنيسة محليّة واحدةٍ بعينها. لذلك، فإنّ هذه الرسالةَ وغيرَها منَ الرسائل المماثلة، موجّهةٌ إلى كنيسة المسيح برمّتها.
ثانيًا، يلاحظُ القارئ حتّى منَ الوهلة الأولى، المواضيعَ والكلماتِ ذاتَها المألوفة في إنجيل يوحنّا، وربّما كان ذلك متجلّيًا بشكل بارز في الحديث عن النور والظلام. ويتعرّف القارئُ على العالَم الذي يقودُنا إليه إنجيل يوحنّا: إنّه عالَم محبٌّ ومُشرِقٌ ومهتمّ.
ثالثًا، يُمكنُنا أن نلاحظ أنّ بُنيةَ الرسالة، لا تبدو متماسكة جدّا؛ إنّها تحتوي على تعاليمِ الإيمان المسيحيّ من عدّة وُجُهات نظر، دون أن تكون الأمورُ مرتبطةً ببعضها البعض ارتباطًا وثيقًا. ويُذكَر أنّ التحذيرَ منَ البِدَع موضوعٌ متكرر كثيرًا.
مَن هو كاتِب الرسالة؟
إنّ كاتبَ الرسالة لا يذكُر اسمه، ومعَ ذلك ، فإنّ "خطَّه" اللاهوتيَّ وأُسلوبَه، يُمكّنانا من فهْم الكثير. نرى أنّ القَرابةَ بين إنجيل يوحنّا وهذه الرِّسالة واضحةٌ جدًا، لدرجة أنّهما ربّما يكونان قد كُتِبا بقلم المؤلِّف ذاتِه. لكن علينا أن نكون حَذِرين: تقترح تقاليدُ الكنيسة أنّ يوحنّا كان مُعلِّمًا ذا تأثير عظيم. لا بدّ أن نكون حذِرين، ونكتفي بالقوْل إِنّ هاتين المادّتيْن، منبثقتان من نفس الاتّجاه في الكنيسة الأولى.
منَ الصعوبة بمكان، إعطاءُ تاريخ دقيقٍ لكتابة الرسالة. نرى أنّها كانت معروفةً لپاپياس (St. Papias of Hierapolis, ؟80-150، تِلميذ القدّيس يوحنّا الحبيب، وصديق القدّيس بوليكاربوس، كان أُسقفًا في آسيا الصُّغرى؛ اِهتمّ بجمع التقليد الشفويّ حولَ حياة يسوعَ المسيح وأقواله، له كتاب مشهور باسم ”تفسير أقوال الربّ“) حوالي عام 140، ولكنّها بالطبع كانت قد كُتبت قبلَ ذلك التاريخ. على الأرجح، أو من المحتمَل القريب جدًّا، أنّنا لن نُخطىءَ كثيرًا إذا اِفترضنا أنّ الرسالةَ قد كُتِبت بين السنتيْن 90-100.
تَحذيراتُ مَحَبّّة
عندَ دراسة رسالة يوحنّا الأولى، غالبًا ما يُصادف القارئُ تحذيراتٍ، يوجّهها الكاتبُ إلى نفسه بسبب البِدَع والهرْطَقات. وهنا الموضعُ الذي تتجلّى فيه الصفةُ المميِّزة للرسالة. تشِعُّ الرسالة بشكْلٍ إيجابيّ بنفس المحبّة كما في إنجيل يوحنّا. يُحسِنُ المرءُ صُنعًا إذا قرأ هذه الرسالةَ؛ يبدو الأمرُ، كما لو أنّنا قد مُنحنا ٱختبارٌ عميقٌ لرعاية الله المحبَّة. ومع ذلك، وفي الوقت ذاته، هنالك كلماتُ تحْذير صريحة وصارمة. في كثير من الأحيان، يصعُب علينا الجمعُ أو الدمْج بين الحبّ والحُدود. لكن رسالة يوحنّا الأولى تجمعُهما، وبالتّالي تُظهِر أن معنى الحبِّ ليس مجرَّدَ أمرٍ حسّاس وعاطفيّ، بل هو عناية ورِعاية أيضا. فعلى سبيل المِثال، إذا هاجمتِ الذئابُ القطيعَ، فلن ينظرَ الراعي إلى هذا وكأنّه حادث طَفيفٌ تافه، ويُدندِن أُغنيةً لبعض الحُملان الصغيرة، بجِوار توهّج نار المخيّم.
1 يوحنّا 1- كلمة الحياة الكلمة باقية! 1: 1- 4
يوحنّا لا يستهلُّ رسالتَه بتحيّة، بل بإعلانٍ يُشبِه تمامًا بِدايةَ الأَصْحاح الأوّل من إنجيل يوحنّا. إنّ كلمةَ الحياة، يسوع المسيح، موجودةٌ منذ الأزَل. لقد وُلد لهذا العالَم، وفيه ظهرتِ الحياةُ وتجلّت. إنّ شُهودَ يسوعَ المسيح، الذين سمِعوا بأنفسهمِ الربَّ يتحدّثُ، وكان بوُسْعهم أن يلمِسوه ، وهُم يُعلنونَ وينشُرون الآنَ سرَّ الحياة الأبديّة لكلّ العالَم. وأيُّ شخصٍ يختبرُ هذا السرَّ، اللغزَ، سيشارِكُ في البهْجة التي تجلِبه شَرِكتُهم مع الآب الله ويسوع َ المسيح. لا شكَّ أنّ ما يعنيه يوحنّا واضح: إنّ الإِيمان المسيحيَّ ليس وهمًا، أو أيِّ شيء مبنيّ على أساطيرَ ٱبتكرها بنو البشَر. إنّ أساسَ الإيمان هو يسوعُ المسيح؛ وشهادتُه مقَدّمَةٌ لقرّاء الكتاب المقدَّس، من قِبَل أولئك الذين هم بأنفسهم كانوا مُقتنَعين بحقيقة وجود الربّ.
بَدءً من الآيات/الأعداد الأولى، يُمكننا أن نتعلَّمَ دروسًا هامّة جوهريّة. يقول الكثيرون منَ الناس، نحن لا نستطيعُ معرفةَ الله، لكنّنا يُمكننا أن نتصوّر عظمتَه فقط. هذا القول، بالطبع، صحيحٌ جزئيًّا، لأنّه في هذا العالَم الذي وقع في الخطيئة، يكون الله إلهًا مخفيًّا، غيرَ مرئيّ. ولكن غالبًا، ما يتمّ التأكيد بنحوٍ خاطئ، على ذلك بالقول إنّه منَ الأحسن عدم إحداث الكثير من الضجيج، حولَ شُؤون الإيمان، والاكتفاء بمجرّد: ”عِشْ ودَعِ الآخرين يعيشون“. إنَّ تعاليمَ يوحنّا مختلفةٌ تمامًا. والكلمة الرسوليّة مؤكّدة وثابتة، إنّها تُفرِح المستمعين وتَمنحهمُ الأمان. السؤال لا علاقةَ له بأمرٍ غريب وأثيريّ، بل إنّه ذو صلة بعَمل الله العظيم للخلاص. حينما نشهَد بكلمة الله على ما فعله يسوعُ المسيح، نكون قد وجدْنا أساسًا راسخًا، ويقينًا لن ينهار تحتَنا - بعكْس كلّ ما صنعه أوِ ٱخترعه الإنسان.
إنّ قارئَ الرسالة، سُرعانَ ما يعلَم أنّ الكاتبَ ينوي مُعارضةَ المعلّمين الكذَبة، والتصدّي لهم. وتكون مسألةُ تعريفِ مثل هؤلاء المعلّمين الكذَبة أمرًا عسيرًا، حينما يكون كلّ ما هو متوفّرٌ لدينا، هو النقد الذي يُركّز عليهم. مع ذلك، وبالنظر إلى أنّ شُهودَ العِيان كان بمقْدورهم لمس يسوعَ المسيح بأيديهم، فإنّ هدفَ النقد يبدو جليًّا. ولقد ادّعى بعضُ الناس أنّ يسوعَ المسيحَ كان مُجرّدَ ”كائن روحيّ“، نوع ما من ”جسد نور“، لم يُولَد كإنسان حقيقيّ وابن الله الذي مات على الصليب. إنّ رسالةَ يوحنّا هذه، تُخبرُنا ما هي عِبارات قانون الإيمان النيقاوي (وُضع في مجْمع نيقية عام ٣٢٥، فيه أُسسُ الإيمان المسيحيِّ) مثل ما يلي:
”… الموْلود منَ الآب قبلَ كلّ الدّهور. إلهٌ من إله، نورٌ من نور، إله حقّ من إله حقّ، مَوْلود غير مخْلوق، واحد مع الآب في الجوهر؛ الذي به كان كلُّ شيء. الذي من أجلِنا نحن البشَر ومن أجِل خَلاصِنا نزل منَ السماء، وتجسّد منَ الروح القُدس ومن مريمَ العذراء وصار إنسانًا...“ شهدتِ الكنيسة الأولى أوقاتًا مذهلة؛ كان موتُ يسوعَ المسيحِ وقيامتُه، نقطةَ تحوّلٍ عظيمة، فبعدَها كان لا بدّ من رؤية كلّ شيء بمِنظارِ نور جديد. نعم، الله رؤوفٌ ومُحبّ، ولكن كيف يتوافق هذا وينسجمُ مع متطلّبات الحياة الصحيحة؟ يسوعُ المسيح هو ٱبن الله، ولكن كيف كان عليه أن يتألّم ويموت؟ كانت هنالك أسئلة كثيرة تمّ طرحُها في أوساط جماعة المؤمنين، النابضة بالحيويّة وسريعة النموّ، خلالَ العُقود الأولى، ولم تكُنِ المهمّةُ سهلة. ترسُم رسائلُ يوحنّا معالمَ طريقٍ آمن ومُشرق.
الظَّلام والنُّور غير مُتناسِقَيْن 1: 5
منَ السهل تجاوزُ الآية الخامسة والتغاضي عنها، ولكن من المهمّ ذكرها ”وهذه البُشرى التي سمِعْناها منه، ونحمىلُها إليكم، هي أنّ اللهَ نورٌ لا ظلامَ فيه البتَّة“.
إذا أعدتَ قراءةَ هذه الآية، فإنّك قد تظُنُّ أنّها لا تأتي بأيّ شيءٍ جديد. من الطبيعيّ أنَّ اللهَ نورٌ، ويقينًا لا وجودَ لأيّة ذرّة واحدة منَ الظلمة فيه. منِ الذّي يستغرب ذلك؟ يبدو أنّ الآيةَ خاليةٌ تمامًا منَ المضمون. ولكن عندما تُلقي نظرةً فاحصة على الأصْحاحَيْن الأوّل والثاني، فإنّها تبدأ تشِعّ بشكلٍ ساطع. في الآية الخامسة، يُقدّم يوحنّا ما يُشبِه العُنوان لما سيقولُه لاحقًا. تلي العُنوانَ، بعد ذلك تعليماتٌ قصيرة، وسنتأمّل فيها، الواحد تلوَ الآخر. يشتمل العُنوان على الفكرة الرئيسيّة، والإرشادات مستمدّةٌ منها. تتوالى سِلسلةُ التعليمات هذه إلى الأصحاح الثاني.
إنّ مجدَ الله لرائعٌ مَهيب. كان بعضُ الناس في العهْد القديم، قد شاهدوا عظَمَةَ الله، وركعوا على رُكَبهم وندبوا اِثمَهم (إشعياء 6). ومن هذا المنطلق، تُدرَس الأمورُ في التعليمات: ما المنسجِمُ مع مجد الله وما غير المنسجم؟ بالإضافة إلى النور وملكوت الله، هنالك أيضًا الظلْمة وملَكوت الشيطان؛ وإلى جانبِ الجنّة، هنالك جَهَنَّمُ أيضًا. ثمَّ إلى جانب الحياة الصحيحة السليمة، ثمّة حياة خاطئة باطِلة أيضًا، تؤدّي وتُفضي إلى الدّمار.
قبلَ أن نُواصل حديثَنا عن نصّ يوحنّا، قد نُحسِنُ صُنعًا، إذا ما توقّفنا وتريّثنا قليلًا. هل بٱستطاعتِنا بعدَ الآن طرح السؤال كما يفعَل يوحنّا؟ ألم نكبُرْ لنقول ونفكّرَ، بأنّ الأسئلة الأيديولوجيّةَ لا تهُمّ كثيرًا لتلك الدرجة، ولا حتّى أسئلة الإيمان؟ ألم يُصبحْ وعيُ الخطيئة غيرَ عاديّ؟ نُردّد في خِدمة الكنيسة، في ٱعترافنا، ”أنا عارفٌ بمعاصِيَّ، وخطيّتي أمامي دائمًا“ (اُنظر مزمور 51: 3) و ”اِمنحني نعمتَك المقدّسة حتّى أبكي، مثل بطرس، على خطاياي“ (راجِع متّى 26: 75). ولكن هل لدينا ذلك الوعي، وهل نَبكي؟ ربّما كان هذا هو السبب، في أنّنا علينا أن ندرُس الإطارَ الثابت والشديد للحدود التي ينخرِط فيها يوحنّا هنا. لذا، نُكرّر طرحَ السؤال: ما المنسجِمُ مع مجد الله وما غير المتناغم؟
طفلُ النّور لا يعيشُ في الظَّلام 1: 6-7
إنّ الحدَّ الأوّل الذي يضعُه يوحنّا، بسيطٌ وسهل. كلّ الذين يدّعُون أنّهم أطفالُ نور، لكنّهم يشعُرون براحة أكبرَ في الظلام، يُناقضون أنفسَهم ويُظهرون أنّهم كاذبون. كلّ من تلقّى النورَ، يريد أن يسلُك فيه، فهو كمسيحيّ يسير.
في غالب الظنّ، إنّنا نفهم، ما يَعنيه هذا الحديثُ عنِ النور والظلام، فالسؤال يدورُ حولَ حياتنا اليوميّة. نحن نستخلصُ استنتاجاتٍ حولَ إيماننا المسيحيّ، ونتصرّف بموجب ذلك. فإذا قال الواحدُ إنّه مسيحيٌّ، ولكنّه يكرَه جارَه (يوحنّا الأولى 2: 11)، فهو يتحدّث هُراء، كلامًا فارغا. إنّ الحياة السليمةَ، هي جزء لا يتجزّأ منَ الإيمان المسيحيّ. هذه هي الطريقة التي نعيش بها، في شرِكة مع ربّ المجْد بمغفرة الخطايا. هنا، نحن بصدَد حقيقة أنّ الكتاب المقدّس يكرّرها مِرارًا وتَكرارا. في الواقع، لقد تلقّينا غُفران الخطايا، وهذا تحديدًا، من أجل يسوعَ المسيح، وليس من أجلنا نحن. إذا تركنا إيمانَنا المسيحيَّ، فهذا يجعلُنا عديمي الرَّحمة، رغم أنه يحمِل هذا الغفران لكلّ شيء، فإنَّنا مخطئون تمامًا.
أبناءُ النّور لن يُنكِروا خطاياهُم 1: 8-9
بعد التعليم أوِ الإرشاد السابق، من الجيّد قراءة ما بعدَه. الله رائعٌ في مجْده، وقُدّوس من كلّ جانب ووجه؛ أمّا حالة الإنسان فمختلفةٌ برمّتها. الجميع خاطئ ومُذنب أمامَ الله. وكلّ مَن يُنكرُ ذلك فقدِ ٱبتعد عنِ الإيمان الصّحيح. مع الاعتراف بعظمة الله وقداسته، على المسيحيّين أن يُواجهوا حقيقةَ أنّهم يجِب أن يستمرّوا في الاعتراف بشرّهم إثْمهم. يتَحتّم علينا أن نعترف بخطايانا أمامَ الله عندَ كلِّ منعَطف. بهذه الطريقة يُشارك اللُه غُفرانَه بدم يسوعَ المسيح، ويطهِّر الخاطئَ من كلّ اِثمٍ وخطيئة.
في بعض الأحيان، وبخاصّة في هذه الحالة، يُمكنُنا أن نكون مُمتنّين جدًّا للهَراطقة. يبدو أنّه كان هنالك معلّمون ادّعوا أنّهم بلا أيّة خطيئة أو ذنْب. وهذا يُعطي يوحنّا سببًا ليقول، على المسيحيّين ألا يُخْفوا خطاياهُم. أهنالك ما هو أفضلُ لنا من هذه الكلمة! نحن خُطاة ونستحقّ سُخطَ الله وغيظَه؛ في مواجهة مجد الله، لا نصِل إلّا إلى طردنا ونبْذنا. إنّنا حالاتٌ ميؤوسٌ منها بالكمال والتّمام. هذه هي الطريقة، التي يسمَح بها الله لنا بالتفكير، ولا يسمح فحسب، بل يأمُر. وإذا عرفنا أنفسَنا، فعندَها نعرف أنّ كلَّ ما عدا ذلك، سيكون أكاذيبَ وغِشًّا وخداعًا على أيّة حال.
وهكذا، فإنّ كلمةَ الحياة الواردةَ في هذا الأصحاح، بسيطةٌ جدّا. إنّك في داخلك خاطئ وتستحقّ عِقابَ الله. إنّك طاهر ومقدّس بسبب المسيح، وهذا ما يُحدِّد حياتَك وخياراتِك في سلوكك اليوميّ. لا تعليمَ أو إرشادَ آخرَ يتماشى مع مجد الله. يُمكنُنا أن نُضيف بناءً على تجربتنا الخاصّة، أنّه لا وجودَ لتعليمٍ آخرَ، يُمكن أن يُدخلَ السلامَ إلى قلب الخاطئ.
الآية العاشرة تنتمي إلى التعليم الآتي المستمرّ حتى الأصحاح الثاني، وسنناقشُه في الأصحاح التالي.
مجْدُ الله والخاطئ - 1 يوحنا 2
بالنظر إلى أصْحاح الرسالة الأوّل، لاحظنا أنَّ التقسيمَ إلى إصْحاحات (وهذاما لم يَقُم به المؤلّف) في الكتاب المقدّس، يقطعُ تسلسلَ الأفكار. ولهذا السبب تُركتِ الآية الأخيرةُ منَ الأصحاح الأوّل، ليتمّ تناولُها هنا. دَعونا الآنَ نستعرض مبنى القسم مرّةً أخرى. البيان الرئيسيّ متمثلٌ في الآية الخامسة في عبارتها ”إنّ الله نورٌ ولا ظلامَ فيه البتّة“. بعد ذلك، يأتي وضعُ الحُدود، من خلال التعليمات المستمدّة من البيان الرئيسيّ - ما ينسجِم معَ مجد الله الرائع، وما لا ينسجم معه. ما لا ينسجم، هو إذا ادّعيْنا أنّنا ننتمي إلى الله، ولكننا نَحيا في الخطيئة (1: 6-7)، أو إذا ادّعينا أنّنا بدون خَطيئة (1: 8-9). والآنَ سنُلقي نظرةً على التعليم التالي، الذي يقودُنا إلى الأصحاح الثاني.
أبناءُ النُّور يُحاربون خطاياهُم 1: 10-2: 2
يبدو أنّ التعليمَ الثالث في هذا القسم، يُكرّر التعليماتِ السابقةَ، إلّا أنّه في الحقيقة ينقلُنا بعيدًا إلى الأمام. هنالك في البداية انتقادٌ لأولئك الذين، من حيثُ المبدأُ، يعترفون بأنّهم خُطاة، لكنَّهم في واقع الأمر يُنكرون ذلك. من السهولة بمكان، الاعترافُ بأنّنا مُذنبون، ولكنَّ الاعترافَ بأعمالنا الشرّيرة أصعبُ بكثير. ومع ذلك، هذا ما يجِب على المؤمن أن يستمرَّ في فعله، وإلّا فيَجعَلُ الله كاذبًا. يقول الله حقًا أنّنا خُطاة، وأنّه يغفِر لنا خطايانا بدم يسوع َ المسيح. وإذا ادَّعينا أنّنا طاهِرون، فإننا نجعلُ طريقَ يسوعَ المسيحِ على الصليب باطلةً، بلا جدْوى تمامًا، زائفة وخاطئة، في الوقت ذاته.
في القسم الأخير، يوجّه الكاتبُ حديثَه إلى ”أبنائه“ المحْبوبين، الذين تسلّموا الرسالة. لقد تمّ الآن إرساءُ الأساس، ويُمكنُنا ٱستخلاصُ النتائج. لا وجودَ للخطيئة معَ مجْد الله، أو إنكار آثامنا، أو أعمالنا الشرّيرة المنفصلة. فقط بعد أن تعلّمنا فهمَ هذه الحقائق، ومعرفة قداسة الله، وآثامنا، والكفّارة عن خطايانا بدم ابن الله، يُمكنُنا الاستماعُ إلى الحضّ والموعظة: حارِبوا الخطيئة! الخطيئة أمرٌ خطير وفظيع. ومع ذلك، وفي الوقت ذاته، هنالك صَدى للتعزية أيضا: إذا أخطأ أيُّ شخص - وهي حقيقة ثابتة، كما ورد في الأصحاح الأوّل، وعلى ضَوء خِبرتنا الخاصّة - فلدينا شفيعٌ ونصير لدى الآب. يسوعُ المسيحُ هو كَفّارة لخطايانا، لا لِخطايانا وحدَها، بل لِخطايا العالَم كلِّه.
طفلُ النّور يُحِبُّ وصايا الرّبِّ 2: 3-5 أ
يُخبرُنا التعليمُ الرابعُ بنفس الشيء، الذي يقوله الربّ نفسُه ببساطة، ”فمن ثِمارهم تعرفونهم“ (متّى 7: 20). لقد كان هناك معلّمونَ زائفون، اِدّعوا أنّهم على اِطّلاع طيِّب بطريق الله. ومع ذلك، كانت حياتُهم مِثالاً إنذاريًّا تحذيريّا. إنّهم لم يكونوا منسَجِمينَ قطّ مع مجْد الله. لذلك، كان لا بدَّ من التخلّي عن هؤلاء المعلّمين، والتبرّؤ منهم، وكان من الضروريّ قطعُ أيّة صِلة معهم وهجرهم. أمّا لدى المعلّم الحقيقيّ، فإنّ وصايا الله تكون ثمينةً ورائعة. إنّ محبّة يسوعَ المسيح ليست شيئًا أثيريًّا وهميًّا، لكنّ تلك المحبّةَ تتجلّى بوضوح في كيفيّة ٱرتباطنا وتعامُلِنا بكلمته.
إنّ كلمةَ الله هنا صارمةٌ للغاية. علينا أن نفحَصَ أنفسَنا ونَحْني رؤوسَنا، أن نتذكَّر التعليمَ الآنف: أبناءُ النُّور يجِب ألّا يُنكِروا خطيّتَهُمُ الأساسيّة. وفي مُواجهة هذه الكلمات، سيكون منَ الصعب إنكارُها.
كما أنّنا نتلقّى أيضًا تعليمًا في الوقت المناسب، وبشكلٍ لافِت للنظر. هنالك الكثيرُ منّ المعلّمين المُقْنعين، الفائزين، الموهوبين. يبدو منَ الغريب، أن تكونَ حياةُ الشخص، الذي يُعلِّم كلمةَ الله، ليست مسألةً خاصّة، بل بالعكْس تمامًا، يجدُر بنا، نحن أعضاء الكنيسة أنْ نقومَ بمُراقبة حياة المعلّمين. إنّ القياسَ أوِ المِعْيار المُعطى لنا ليس مدى اتّساع اِبتساماتهم، أو مدى سَلاسة ورقّة اِنحنائهم، ولكن كيف تنعكسُ كلماتُ الله العزيزة الحميمةُ في حياة المعلّم. السؤال هو بشأن اِعتبارهم لآيات الكتاب المقدّس الملموسة. فإذا كانت حياة المعلّمين لا تتحمّل الاستقصاءَ في هذا الصدد، فإنّهم يُبطلون عِظاتِم بحياتهمِ الخاصّة، ولا ينبغي لأحدٍ أن يُصغيَ إليهم.
أبناءُ النور يَتْبعون مِثالَ الربِّ في حياتِهم 2: 5 ب - 8
يُتابعُ يوحنّا الطرْقَ بصرامةٍ، جاعِلًا اِفتراءاتِ المعلّمين الكذَبة، تتهاوى وتنهار مثلَ بيت من ورق. إنّهم يزعُمون أنّهم يعرِفون الله جيّدًا، من خلال تجربتهم ومعرفتهم. يرفُض يوحنّا هذا بطريقة جدّ مباشرة وصريحة. يتحتّم على كلّ مَن ينْتمي إلى الربّ، أن يحتفظَ بمحبّة يسوعَ المسيحِ، الذي ضحّى بنفسه، كمثال لنفسه. ونظرًا لعدم وجود أيّة علامة على ذلك، فإنّ تعاليمَهم كانت خاطئة. منَ الواضح، أنّ المعلّمين الكذَبةَ، كانوا قد قدَّموا للناس بعضَ المستجدّات الجذّابة الآسِرة. وعلى النقيض من ذلك، يُعطي يوحنّا وصيّة قديمةً وبسيطة للغاية: عش مُقتديًا بمثال يسوعَ المسيح!
وهنا، نستطيع أن نرى مرةً أُخرى، كيف أنّ الإيمان المسيحيَّ، ليس شيئًا نظريًّا وصعبًا. إنّه في غاية البساطة: نحن نحْيا في نِعْمة الله ومحبّته، نستمع إلى كلمته، ونتوب وَفقًا لذلك. إيمانُنا ليس بأكثرَ تعقيدًا من هذا. ومع ذلك، فهو يتضمّن ويقتضي دراسة وتعلّمًا مستمرًّا إلى الأبد.
أبناءُ النّور لا يكرَهُون القريبينَ منهم 2: 9-11
يُسهِبُ الكاتب في الشرح، ولا يدعْ مجالًا لسوء الفهم. السؤال المطروحُ هو، كيف نعامِلُ القريب؟ كلُّ مَن يدّعي أنّه مُلكُ الله، ولكنّه في الوقت ذاته يكرَه قريبَه، معناه أنّه كاذب. كما أنّه قد يظنُّ أنّه ابنُ النور، إلّا أنّه، في الواقع، ما زال يحْيا في الظلام. إنّ كلَّ مَن يسير في الظلام، يكون قد ضلّ طريقَه، ولم تَعُد لديه أيّةُ فكرة عن مكانه أو إلى أين يسير. لقد أعْمى الظلامُ عينيهِ، ولن يجدَ الطريق السويَّ بعدئذٍ. وتكون الأمورُ مختلفةً تمامًا بالنسبة لمن يُحبّ قريبَه، هنا يكون العملُ متناغمًا، منسجمًا مع مجْد الله. ولذلك فالشخص من هذا القَبيل، سيبقى ابنَ النور أيضا.
الكلمات قاسيةٌ وتزداد قساوةً وصرامة. ولا ينبغي أن نُخفّفَها ونفسّرَها وكأنّها غير كائنة. هذا ما يقولُه الكتاب المقدّس، نقطة وسطرٌ جديد. قد نفهَم الآن سببَ تحذيرنا بخصوص الديْنونة الأخيرة، وعلى وجه الخُصوص، وُجوب ذهابنا إلى الله لوحْدنا، بمفْردنا. إنّ ملجأنا وضمانَنا الوحيدَ، هو أنّ خطايانا قد غُفرت بدم كفّارة يسوعَ المسيح. تعلّمُنا هذه المواضعُ الشديدة في الكتاب المقدّس، أن نستخلص الاستنتاجاتِ الصحيحةَ بأنّنا لله، وإليه منتمون.
الكنيسة محميّةُ جيّدًا 2: 12-14
يعرف يوحنّا أنّه تحدّث بصرامة وبشدّة. كان في ذِهْنه، قبل كلّ شيء، المعلّمون الكذَبة الذين بَذروا بُذورًا سامّة. الآن آنَ أوانُ العزاء. لقد تمَّ شرحُ هذه الآيات بطريقة واحدة في كتابنا المقدّس، ولكن رّبما يجبُ فهمُها على هذا النحو: ”أنا أكتُب إليكم، يا أبنائي الصغار، لأنّ اللهَ غفر خطاياكم بفضْل ٱسم يسوعَ المسيح“. أمامَنا سِلسلةٌ عظيمة من التأكيدات والضمانات على نعْمة الله الموجّهة لقرّاء الرسالة. إنّنا الآن لَسنا بصَدد عِظة، بل لدينا تصريح وبيان: لقد غُفِرتِ الخطايا بدم ابن الله. وعندما نُحافِظ على هذا الإيمان، سيُهزمُ الشرُّ لا مَحالة. الهَرطقات، التعاليم الكاذبة، هي شَرَك الشيطان وفِخاخُ عدوّ الروح. حسنًا، إنّ التعليمَ الرسوليَّ السليم، يمنعُنا ويَحمينا منَ الوُقوع والسقوط فيها. إنّ مجدَ الله رائع جدّا، والليل في العالَم مظلمٌ للغاية. الخاطئ يكون آمنًا في كنيسة يسوعَ المسيح فقط، ولكنّه آمنٌ تمامًا ثمّة، في رعاية الكلمة الرسوليّة.
لا تُحِبّوا العالَم! 2: 15-17
الإيمان بيسوعَ المسيحِ هو موضوع، نستخلصُ منه النتائجَ في الحياة اليوميّة. إنّنا نواجهُ دَوْمًا خَياراتٍ حيث يتعَين علينا تحديدُ ما أهمّ شيء بالنسبة لنا. نحن، إمّا أن نُحِبّ الآبَ، أو نحبّ هذا العالَم. بعد كلّ شيء، يقول يسوعُ المسيحُ ”فحيث يكون كَنزُك، يكون قلبك أيضًا“ (متّى 6: 21 )." هل أَستسلمُ لرغْبتي الخاطئة وعُروض هذا العالَم، أم أتذكّرُ أنّني ابنُ الله؟ هذا يعْني المسيحيّة الملموسة. إنّ رسالةَ يوحنّا الأولى، تُسعفُنا في مواقف اتّخاذ القرار والاختيارات: هذا العالَم وكلُّ ما فيه، سيفْنى يومًا ما. إذا كان هذا هو كَنزُنا، فإنّنا سنهلِك مع هذا العالَم الآيل إلى الزوال والفَناء. أمّا إذا كان كَنزُنا الربَّ، فسنحْيا بنعْمته إلى أبد الآبدين.
المُسحاءُ الدجَّالون (أضْدادُ المسيح) والأيّام الأخيرة 2: 18-25
إنّ أبناءَ الله، لا يعيشون بعيدًا عن الشرّ في هذا العالَم. بالأكاذيب والعقيدة الباطلة، يبحَث الشيطان، عدوُّ الروح، عنِ الفريسة. أوّلاً يتحدّث يوحنّا عن المسيح الدجَّال بصيغة المفْرد، ثم بصيغة الجمْع. مجيء المسيح الدجّال هو علامة نهاية الزمان. خِلال زمن كتابة الرسالة، كان هنالك الكثيرون من ”مُناهِضي المسيح“، لقد كانوا مسيحيّين سابقين، لكنّهم لم يكونوا مسيحيّين حقيقيّين، وقد ثَبُت ذلك من خلال ٱرتدادهم. لقد كانوا معْروفين باسم معارِضي يسوعَ المسيح من خلال تعاليمهم. وتمَحْور جوهر تعاليمهم على أنّهم قد أنْكروا كَونَ يسوعَ المسيحِ هو مسيح الله المشار إليه في العهد القديم. هنالك المزيد من الحديث عن هذا، لاحقًا في الرسالة. كلّ مَن لا يريد أن يسمع عن يسوعَ المسيح ويعرفَه فليس له الله أيضًا؛ ومَن له يسوع المسيحُ فله الآبُ أيضا. يحافظ التعليم الرسوليّ الأصليّ على المصلّين ويحميهم، وسيرِثون الحياة الأبديّة. ومعنى ”المَسْحة“ هنا، هو الروح القُدس، الذي كان قد مُنِح لهم عند معموديّتهم المقدّسة. وهذه الهِبة، العطيّة من الله، تحْميهم من السقوط والتدهور حتّى نهاية العالم.
يحتوى هذا القسمُ، على عددٍ كبير من النقاط الشائقة للغاية، والتي يُمكنُنا معالجة تطبيقاتها طَوالَ الفترة المتبقّية من السنة. نسمَع أحيانًا شيئًا من هذا القَبيل: ”نعم حقًّا، أنا أومِن بالله، ولكن ما حاجتُنا ليسوعَ؟“ يبدو أنَّ المسيحيّةَ بدون يسوعَ المسيح، أكثرُ قبولاً وأفضل وأسهلُ من التعليم الرسوليّ؛ هذا ما يراه الإنسان العصريُّ بعامّة، الذي لا يُريد سماعَ ما يقوله الرُّسُل عن يسوعَ المسيح وتألّمِه على الصليب. بعبارة أُخرى، هذا الإنسان قد يتقبّلُ تلك المسيحيّةَ التي لا تتحدّثُ عن يسوعَ المسيحِ (عكس ما قام به الرُّسُل ووصفهم لحياة يسوع المسيح على الأرض) وتكتفي بالتكلّم عن الله. عندما لا تتِمّ مناقشةُ صليب الربّ على الإطلاق، ويدور الحديث عن شيء أكثرَ إثارة للاهتمام، فهناك، على الأقلّ، شخصٌ يودّ الاستماع إلى الكنيسة. ولكن بهذه الطريقة نفقِد ليس المسيح فحَسب، بل الآب أيضًا! الطريق الوحيد إلى الله هو من خِلال الباب، وهذا الباب هو يسوعُ المسيح. وبالتّالي، لن نأبَه ولن نستمعَ إلى أولئك الذين ”يُحدّثون، يُعَصْرِنون“ المسيحيّة، ولا بأيّ شكل من الأشكال، أولئك الذين يُنكرون بنحوٍ منهجيّ تكفيرَ يسوعَ المسيح عن خطايانا (مثلًا المورمون وشُهود يَهْوه).
هنالك الكلام الكثير حولَ الآخرة، عاقِبة الزمان. وهنا يظهَر مجيءُ المسيح الدجّال كإحدى السِّمات المميّزة. يُمكنُنا أن نرى أيضًا أنّه عندما كُتبتِ الرِّسالة، لم يكُن زمنُ النهاية قريبًا بعد، على الرغم من وجود الكثيرين منَ الدجّالين ومُناهِضي المسيح. كان هناك ظلّ طفيفٌ للمسيح الدجّال، يُلقي بظِلاله القاتمة على خِدمة المعلّمين الكَذبة. لقد خيّم هذا الظلّ المظلِمُ على عدّة حِقَبٍ في التاريخ. البِدعة أوِ العقيدة الكاذبة، والتَّضليل القويّ، والردّة، والكراهية العمياء، واضطهاد المسيحيّين، هي سمات مميّزة لأزمنة ضدّ يسوعَ المسيح. وفي عصْرنا الراهن، نشاهدُ الكثير من العلامات التي تُشير إلى الأيّام الأخيرة، نهاية الزمان. ستكون هذه العلامات المميّزةُ مرئيَّةً بالكامل قبلَ النهاية، نهاية العالَم، بوقت قصير. وفي خِضَمِّ كلّ هذا القلَق، سنتذكّر أنّ زمنَ النهاية سيجلِبُ بعدَ المعاناة والضيقة العظيمة الخلاصَ الكامل.
كيف أسْتطيعُ أنْ أثبُتَ في الإيمان حتّى النِّهاية؟ 2: 26-27
المبدأ الذي تمّ التطرّقُ إليه سابقًا، يتكرّر في هذا القسم: ”المَسْحة“ (الروح القُدس) ستُبْقي جماعةَ المصلّين، أعضاءَ الكنيسة، ملُكًا لله وتقودهم إلى كلّ الحقيقة. الروح القُدس لا يُرشد الهراطقة، المعلّمين الكَذبة، ولذلك ينشُرون مجرّد أكاذيبَ وٱفتراءات. على المستَمِعين، خلافًا لتعاليمهم، أن يُحافظوا على التعاليم التي تلقّوها من الرُّسل. هكذا يقول الكاتب، إنّ الروح القُدس سيُبقي ويثبّتُ الإيمانَ لدى المصلّين.
إنّه لأمرٌ رائع، أن نعرفَ أن ّ الاستمراريّةَ في الإيمان والثباتَ عليه، لا يعْتمدان على أدائنا، وإلا لما كانت لدينا القوّة والمقدرة للعيش. مع ذلك، عليْنا ألّا ننسى أنّ الروح القُدس، يستخدِم كلمة الله كأداة، كوسيط. لهذا السبب، يجب أن نُصغي إليه، ونقرأ الكلمةَ بجدٍّ ونتوبَ وَفقًا لذلك. تنتمي الآيتان الأخيرتان في هذا الأصحاح (2: 28-29) إلى القسم التالي، لهذا السبب سنناقشُهما في إطار الأصْحاح الثالث.
موضوع: رد: لقد تكلَّم يوحنّا مُطوّلًا عنِ الإيمان الحقيقيّ والمعرفة الصحيحة. إنّ الجزء الأساسيَّ من الإيمان السليم هو انتهاجُ الحيا الثلاثاء مارس 08, 2022 12:49 am
لقد تكلَّم يوحنّا مُطوّلًا عنِ الإيمان الحقيقيّ والمعرفة الصحيحة. إنّ الجزء الأساسيَّ من الإيمان السليم هو انتهاجُ الحياة الصحيحة السويّة على هَدْي ذلك الإيمان. كلُّ من يتعلّم معرفةَ الله البارّ، يريدُ أن يصنعَ البِرّ في حياته أيضًا. إنّها علامةٌ على أنّ حياةَ إيمان المؤمن مصدرُها الله. يُذكِّر يوحنّا قُرّاءَه بخطرٍ رهيب؛ ففي يوم من الأيّام، سيأتي يسوعُ المسيحُ، ليدينَ الجميع. وأولئك المسيحيّون الذين لم يثْبُتوا به حتّى النهاية، سَيُطرَدون من أمامه، ولن يكون لهم ملجأ عند الربّ.
لا توجدُ في الكتاب المقدّس، سوى عددٍ قليل من التحذيرات، الأكثر صرامةً من هذا التحذير. من الممكن حقًَا أن يتنقّل الناس في دوائر الكنيسة، ويُنظر إليهم في العالَم، على أنّهم مؤمنون. في جلَبة نهاية الزمان، سيَطلُبون ملجأ عند يسوعَ المسيح، لكنُهم سيُبْعدون! لقد تمّت مناقشةُ الموضوع ذاتِه أيضًا، في إنجيل البشير متّى 7: 21-23، على سبيل المِثال. أيُّ قدرٍ منَ الإصرار، لن يُجديَ نفعًا على أنّك مسيحيّ، ولا حتّى معجزات خارقة، حينما يقول يسوعُ المسيح ”ما عرفتكم مرّة، اِبتعدوا عنّي يا أشْرار! (اُنظر: متّى7: 23). الكثير منَ الناس الصالحين في عُيون العالَم، وفي نظرهم سينتهي بهم المطاف إلى الدمار. إنّ الطريقَ إلى الحياة ضيّق، والطريق إلى الموت واسع. يجِب قراءة معالمِ الحياة المدوّنة بين دفّتي الكتاب المقدّس بعِناية. نحن الخُطاة، ملاذُنا وملْجَؤنا يسوعُ المسيحُ وحده، ونحن نصلّي له من أجل منْحنا القوّةَ، كي يوصِلَنا إيمانُنا أيضًا إلى الحياة الصحيحة.
عَطِيّةُ الله 3: 1-3
بعد الحضّ والحثِّ، يدور الحديثُ مرّةً أخرى عن عطيّة الله العظيمة، وبعد ذلك يتكرّر الحضّ والنُّصح. يُخاطب الكاتب المستمعين ويشاركُهم فرحَه وٱبتهاجه: نحن مدْعُوّون أبناء الله، وهكذا نحن بفضْل محبّة الله العظيمة. في يسوعَ المسيح، أَخذَنا اللُه ملكًا خاصًّا به، حتّى في هذا العالَم، ولكن هنالك ما هو أفضلُ من ذلك بكثير في المستقبل. عندما يأتي يسوعُ المسيح، سنتحَوّل إلى شَبَهه. عندَها لن يكون هنالك بعد خطيئة أو أسى، بل معرفة مجْد الله ومحبّته فقط . وهنالك حضّ، قد تمّ تضمينُه جزئيًا في موضوع الفرَح، الذي عُبّر عنه آنفًا، ومرتبط به: العالَم لا يعرِف الله، وبالتَّالي، فهو لا يعرف أبناءَ الله، بل يتجنّبُهم ويكرَههم ويضطهِدُهم. ومع ذلك، يجب أن يتذكّر ٱبنُ الله أنّنا قد تلقّينا الكثير وسننال أكثرَ حتّى. هذا الأمل، يجعلُنا نرى العالَم بعُيون جديدة.
مرّة أخرى، تُوجد آياتٌ قصيرة، تُخْفي في طَيّاتها أشياءَ كثيرةً بشكل لا يُصدّق. لا يُمكنُنا معالجةُ هذه الأمور الشائقة إلا بإيجاز. أوّلاً، علينا أن نرى مرّة أُخرى، ما هو موقعُ كلمة الله وترتيبُها في حياتنا المسيحيّة. حتّى لو كان هذا العالَم يتطلّب دائمًا بعضَ الإثبات أولاً، وبعدَ ذلك فقط، يمنحُ مكانة عالية، أمّا في ملكوت الله فالأشياءُ مختلفة تمامًا. أوّلًا، لدينا الحقيقة أنّني ابنُ الله بدم فِداء يسوعَ المسيحِ وحده، وذلك بدون أيّ أعمال أو نشاط منّي، من جانِبي، إنّ اللهَ يُحِبُّني ويعزِّني لأنّه صالح. وفقط بعد هذا، يأتي دَورُ الحديث عن اِستنتاجاتنا، أي كيف تؤثِّر على حياتنا. إذا لم نتعلّم ترتيبَ هذه الأمور، فلن نحْظى بضميرٍ صالح أبدًا.
ثانيًا، لَديْنا لمَْحةٌ عنِ الحياة في الآخِرة. كيف سنكونُ في الأبديّة، وماذا سنفْعل هناك؟ لا يُقدِّمُ الكتابُ المقدّس إجاباتٍ مُحَدَّدة. إنّ أفضلَ إجابة هي أنّنا سوف نتغيَّر إلى شَبَه يسوعَ المسيح (انظر أيضًا رسالة كورنثوس الأولى 15). سوف نَظَلُّ كحالِنا، مثل أنفُسنا، حيثُ يُمْكن التعرّف علينا، مثل ذلك الرَّجل الغنيّ الذي عرف لعازر وإبراهيم، لكن شيئًا ما، مع ذلك، سوف يتغيّر. إنّنا لا نعرِف أيَّ شيء أكثرَ دقّةً، ولكن بوُسعنا أن نُخَمّن أنَّه حتّى في كلّ هذا، ستفوقُ هِبةُ الله كلَّ ما يُمكنُنا تصوّره.
ثالثًا، لِنَنظُر مرّةً أُخرى إلى الحقيقة، بأنّ مُلكَ الله ليس من هذا العالَم، وعليه فلن يحْظى بشعبيّة كبيرة هنا. نحن غُرَباءُ وسنبقى غُرباء. نحن لا نتفاجأ من هذا الغَرابة. في هذا أيضًا، منَ الحسن أن نتذكَّر أنَّ العلامة المميّزةَ لملِكنا الحبيب يسوعَ المسيحِ هي المعاناة، وأتباعُه يحمِلون العلامة ذاتَها.
يجِبُ أن نتَجنّبَ الخطيئة 3: 4-10
تماشِيًا مع سِمة مُهمّة في الرِّسالة، تتغيّر وُجهةُ النظر إلى عكْس ذلك بعد الوعْد بالنعْمة. هنالك تأكيد مرّةً أخرى على حقيقة وُجوب اِستخلاص النتائج من إيماننا المسيحيّ. الخطيئة محفوفةٌ بالمخاطر، ولا تتوافقُ معَ مجْد يسوعَ المسيح. لقد جاء يسوعُ المسيحُ لينزعَ خطايا العالَم وذنوبَه لا ليباركَها. تصِل هذه النقطة ذُروتَها الآن بشكل مُثير للإعجاب في الآيتين 8 - 9: من عمِل الخطيئةَ كان من إبليس، ومن عمِل البِرّ كان من الله. لا يقتصِر الأمر على أنّ الشخصَ المولودَ من الله، يجب ألا يستمرّ في الخطيئة، بل إنَّه لا يستطيع الاستمرارَ في الخطيئة.
هنا أيضًا، عليْنا أن نتذكّر أنّ مهمّتَنا في هذه المحاضرات، ليست تمييعَ كلمة الله، وممارسة اللفّ والدوران (اللتُ والعجن) بل شرحها بنحوٍ قاطِع مانع. إنّ الكلمةَ واضحةٌ بما فيه الكفاية وبكلّ حَزْم، ولا تتطلّب سِوى القُدْرةِ على القِراءة حتّى يتِم َّ فهمُها. لا جَدْوى في التمييز بين خطيئة صغيرة وأُخرى كبيرة، لأن النصّ ببساطة لا يسمَح بذلك. الخطيئة هي الخطيئة. لا يوجدُ سِوى سيّدين، الشيطان والله. ونحن نتبعُ هذا أو ذاك، وهذا يظهَر ويتّضح في حياتنا.
وعندما نُشدِّد على حتْميّة كلمة الله وحقيقتها المطلقة، ونشحَذُها، يكون بمقدورنا رؤية طبيعة هذا القِسم. إنّه ليس برهانًا نظريًّا حول هيئة المؤمن وشكله. إنّ هذا الجزءَ منذ مطلعه، حضٌّ وإرشاد. إنّ الكلماتِ القاسيةَ الحازمةَ، موجّهةٌ بشكل خاصّ إلى الخُطاة، الذين هم أبناءُ الله بالنعْمة. أوّلاً هنالك النعمة ثمّ الوصية المتعلّقة بها.
الحُبُّ شَيءٌ ملْموس 3: 11-18
إنّ العقيدةَ، التعاليمَ السليمة تقود بالضَّرورة إلى الحياة الصحيحة، إلى الحُبّ. والحبُّ ليس مجرَّدَ شيء مجرَّد، لكنّه في الحياة اليوميّة يتجسّد بتأدية الخِدمة والنشاط العمليّ. الأمر ذاتُه، ينطبِقُ على العقيدة الخاطئة والكراهية، وهي لن تكون بلا نتائجَ وتبِعات أيضًا. لقد قتَل قايين أخاه هابيل، الذي كانت حياتُه أفضلَ منه. هذا هو النوعُ منَ الحَسد والكَراهِية والبَغْضاء، الذي سيواجهُه المسيحيّون، لكن علينا ألا نَدَع ذلك يفاجئُنا أو يكبحَ تدفّقَ الحبّ. إنّ الكراهيةَ تجعلُنا قتَلة في نظَر الله، حتّى بلا الضربة القاضية، وتستبعدُنا عن ملكوت الله. من ناحية أخرى، تسلُك المحبّة طريقَ يسوعَ المسيحِ في المعاناة، كنموذج يُحتذى به، وتقودُنا لخدمة قريبنا، وتمنعُنا من إٍغْلاق قلوبنا على قريبٍ يتألّم ويُعاني.
تحتوي الآيةُ 17—”مَن كانت له خيراتُ العالَم، ورأى أخاه مُحتاجًا فأغلق قلبَه عنه، فكيف تثبُتُ محبّةُ الله فيه“، هذا سؤال صعب بالنسبة لنا نحن المسيحيّين. السؤال صعْبٌ لدرجة أنّه حتّى الكتاب المقدّس لا يُجيب عليه. إذا كان لديْنا الكثيرُ، وللآخرين لا شيءَ، ونحن نُغلِق قلوبَنا عنهم، فهل يُمكن لمحبّة الله أن تظلَّ فينا بعد ذلك؟ لقد تعلّمنا أن نُغلِق قلوبَنا بإحكامٍ إزاءَ حاجة الشخص المتألِّم. إنّنا نُغلِق بابَ منزلنا، ونُغلق التِّلْفاز، ونطرُد الجِياع والمعذَّبين من أفكارنا. ملابسُنا تُكلِّف عشراتِ اليوروهات، وأثاثُنا المئاتِ، وسيّاراتنا عشرات الآلاف، وشُقَقُنا مئات الآلاف من اليوروهات. يُمكنُنا تحمّلُ كلّ هذا، إذا عمِلنا بكدٍّ وجدّ. وبالنسبة للشخص المتألِّم، وللعمل من أجل ملَكوت الله، فإنّنا نعتقد أنَّ خمسين يورو مبلغٌ ضخْم، ومئة يورو بذلٌ مستحيل، وألف يورو إفراط فاحش (دونه خرطُ القَتاد). من علَّمنا درسَ هذا الحِساب؟
الله يعرِفُ ما في القُلوب 3: 19-20
من الصُّعوبة بمكان شرحُ هذا القِسم، ولكن منَ الممْكن أن يُفهمَ على النَّحو التالي: إنّ الحبَّ الأخويّ يجلِب معه عطيّةً خاصّة به - كلّ مَن يُشارك الآخرَ بما لديه، يعلمُ أنّ حقيقَة الله ترشِدُه وتقودُه. أن يُدينَنا قلبُنا، مع ذلك، هو أمر مألوفٌ بالنسبة للمسيحيّ، لا سيّما إذا كنّا، وَفقًا لمتطلّبات يوحنّا المطلقة، لا نُنكر خَطايانا (1: 8). لكن الله أعظمُ من قلوبنا؛ إنّه يعرِفُنا ويرحَم أبناءَه.
خُُلاصة 3: 21-23
لقد قدَّم يوحنّا الكثيرَ من نصائحِ الحضِّ والحثّ. وفي الآيات الأخيرة منَ الأصحاح، يأتي بالخُلاصة. يُمكن لكلّ الذين يتبعُون حقيقةَ الله، أن يعيشوا بثقةٍ أمامَ ربّهم، ويعرفون أنّ صلواتِهم مسموعةٌ (راجع يوحنا 16: 23-26). مرّة أخرى، حقيقة الله بسيطة: من واجبنا أن نؤمنَ بيسوع َ المسيحِ، ونُحِبَّ قريبَنا. هذا الحبُّ ليس مجرّدَ شُعور حُلو معسول، همهمة أو دندنة أو عاطفة، بل حِفظ وصايا يسوعَ المسيح. عندما يسلُك المسيحيّون في هذا الطريق، يُردّد الروح القُدس في قلوبهم أيضًا ”آمين“.
منَ الأوْهام إلى مَحَبّة قَريبِك - 1 يوحنّا 4
لقد وصلْنا في رسالة يوحنّا الأولى، إلى الأَصْحاح الرابع. هذا الأَصْحاح، هو جزءٌ من قِسمٍ أوسعَ (الأصْحاحان 4-5)، حيث موضوعُهما هو أنّ العقيدة الصحيحةَ، تؤدّي إلى الحياة الصحيحة. في الأصْحاح الرابع، يوجد أولاً تحْذير منَ العقائد الخاطئة والبِدَع، ويتلوه نِقاشٌ حولَ محبّة قريبك.
4: 3-1: لا تُصدِّقْ كلَّ واعِظ!
في الوقت الذي كُتبت فيه الرسالة، سادت بِدَعٌ شديدة كثيرة. ولذلك، كان منَ الجدير، تحذير شعب الله من أنّه ليس كلّ واعظ هو بالضرورة من أبناء الله. يُمنحُ المستمعون مِقياسًا يميّزون به بين الروح الصحيحة والروح الخاطئة. كلّ مَن لا يعترف بأنّ يسوعَ هو المسيح، وأنّه جاء في الجسد فهو روح كاذبة، أمّا مَن يعترف به فهو روح حقّ من الله.
عادة ما يكون منَ الصعب، إعطاء تعريفٍ للمعلّمين الكذبة، الذين ينتقدُهم مؤلِّفو كِتاب العهْد الجديد، لأنّنا لا نعرف عنهم شيئًا سوى التحذيراتِ التي نقرؤها. في هذه الحالة، فإنّ العقيدة الخاطئةَ، التي كانت تؤثّر على الكنيسة المبكّرة والتي تمّ رفضُها، معروفة جيدًا إلى حدّ ما. كان هنالك مَن علّم أنّ يسوعَ المسيحَ كائنٌ روحيّ، وليس إنسانًا حقيقيًا. ولأنّه لم يكُن إنسانًا حقيقيًّا، فلم يتألَّمْ أيضًا، ولم يمُت بأيّ شكلٍ منَ الأشكال. وبما أنّه لم يمُت، فلم يكفِّر عن خطايانا أيضا. كان يسوعُ المسيحُ مثل وميضٍ من نور، أظهر لجميع الناس الطريقَ الصحيحَ إلى النور. كانت هذه العقيدة بمثابة عُشْبة ضارّة، وتَعيّن على الكنيسة الأولى الكثير من العمل في اقتلاعها.
عندما نأتي لتطبيق هذه الآيات على زماننا، نلاحظ أولاً أنّه ليس من اللائق الاستمرار في مراقبة الوُعّاظ. وعلى النقيض من ذلك، نرى أنّ كلمةَ الله تُشجّعُنا صراحة على القيام بذلك. العقيدة الخاطئة هي أمر خطيرٌ، وتُهين قداسة الله. يَجب الامتناعُ عنِ الاستماع إليها.
ثانيًا، نكتشف أنّ العالمَ لم يتبدّل على الإطلاق: إنّ العقيدة الخاطئة، البِدعة، نفسها، ما زالت حتّى الآن قائمة وفعّالةً بيننا. في يومنا هذا، إنّها فلسفة الأنثروپوسوفيا - عِلْم طبائِع البَشر- عند رودولف شْتايْنِر (Rudolf Steiner, 1861-1925، فيلسوف، عالم رياضيّات وناقد أدبيّ من النمسا) (أو مرتبطة بها ارتباطًا وثيقًا، الثيوصوفيا أي التصوّف أو الكريستوصوفيا أي اليقظة الروحيّة المؤدّية لاكتشاف الإلهيّ/المقدّس في الشخص نفسه وفي الخليقة جمْعاء). تلك التعاليمُ نفسُها تشكِّل أساس هذه البِدع. وهذا هو الأمرُ الذي يجعَل مدارس شتايْنِر إشكالية ومشكوكًا بها، من وُجهة النظر المسيحيّة.
التغلّبُ على البِدَع والأوْهام يكونُ برفْضِها 4: 4-6
لم يُرحّبْ مُتلقّو الرسالة بالعقائد الباطلة بل رفضوها وأنْكروها، وهكذا اِنتصروا على إغراء العقيدة الكاذبة. لم تكُن حكمتهم هي التي صانتْهم وحفظتهم، بل محبّة الله. لقد حمى الله خاصّتَه. وعلى الرغم من أنّ التعليماتِ التي قدّمها الهراطقة، معلّمو البِدَع، تناسِبُ تمامًا تفكيرَ الناس - منَ الطبيعيّ أن تلائمُ التعليماتُ المسْتوْحاة من إرادة العالَم العالَمَ - ما زالت هنالك مجموعة من أبناء الله، الذين كانوا في مأمنٍ منَ العَثَرات والسُّقوط. الكلمة الرسوليّة هي كلمة الله: والذين يفتحُها الله لهم، يستمِعون إلى الرُّسل. أمّا أولئك الذين يُنكرون الله، فإنّهم يُنكرون الكلمة الرسوليّةَ أيضًا. الحدّ واضح وبسيط بهذا الشكل.
مرّة أخرى، إنّنا نتعلَّم أشياءَ كثيرةً عنِ البِدع والهرْطَقات. قد يجِد الناسُ بِدْعة، ليست بشبيهةٍ لكلمة الله، حسب رغبتهم. قد يُكرَّمُ الواعظ الكاذبُ بينَنا كثيرًا، لأنّ العقيدة الصحيحةَ، غالبًا ما تكون مُسيئةً جدًا لطبيعتنا الآثِمة. قد يكون من الأسهل الاستسلامُ والتخلّي عن تعاليم الكتاب المقدّس - ولكن بعد ذلك سيُنحّى الله نفسُه جانبًا! على المحكّ أمرٌ ملموس للغاية: كلُّ مَن يرفُض الكلمة الرسوليّة، يرفُض الله أيضًا، ويكون تحت سيطرة الروح المخادعة المضلّلة.
فليُحِبُّ بعضُنا بعْضًا! 4: 7- 12
يعود الرسولُ مرّةً أخرى إلى الحياة المسيحيّة الصحيحة، الناجمِة عنِ العقيدة والإيمان الصحيحَيْن. تُشبهُ الآياتُ 7– 12، بشكلٍ خاصّ الترنيمة، وهي كلامُ جميل جدًّا عن محبّة الله، وعن محبّة الإنسان المسيحيّ. تردُ لفظة ”حبّ“ مِرارًا وتَكرارًا. لدينا هنا، بمعنى ما، نظيرٌ لـ ”ترنيمة الحبّ“ الشهيرة التي كتبها الرسول بولس (كورنثوس الأولى الأصحاح 13؛ ورد في الآية الأخيرة 13: والآنَ يبقى الإيمانُ والرجاء، وأعظمُ هذه الثلاثة هي المحبّة).
تجدُر الإشارةُ إلى الترتيب الصحيح في هذا القِسم: هناك كلام قاطعٌ جدًا عن محبّة يسوعَ المسيح، وبعد ذلك النتائج المستخلصة منه. عندَ الكلام عنِ الحبّ، لا بدّ أوّلاً من إظهار الحبّ الحقيقيّ، التامّ والمتّقد. إنّ ذلك ظاهر للجميع على صليب يسوعَ المسيحِ، على جبل الجُلجثة. لقد قدّم الله ٱبنه الوحيدَ إلى العالَم. دمه يُكفّر عن الخطايا. علاقتنا مع الله سليمة، لأن اللهَ أصلحها. إنّ المحبة الحقيقيّةَ، ليست في قلوبنا، بل في قلب الله الآب. قلوبنا تكون دافئةً، ولكنّها تبرُد من جديد. نعمة الله ثابتة، لا تتبدّل. كلّ مَن يفقَه هذا، يكون قد وجد أساسًا متينًا كالصخرة وسيصمُد في وجه كلّ العواصف. على المسيحيّ أن يستخلصَ النتائج من محبّة الله. لأن الله أحبّنا، فمن واجبنا أن نُحبَّ قريبنا. بهذا الشكل، يكون لصلاح الله وطيبتِه مكانٌ في حياتنا. سوف يتدفّقُ نهرٌ من البرَكات من خلال المسيحيّين إلى هذا العالَم البارد، الشرّير. المغفرة ستحِلّ محلَّ الكراهية، والبركة بدلًا من الترهيب والانتقام. على هذا النحو، سيتشكّل ملكوتُ الله حتّى في هذا العالَم، وإنْ كان جزئيًا فقط، ولكن مع ذلك، فإنّ أُولى ثِمار محبّة الله يتِمُّ قطفها وجمعُها حتّى في أيّامنا هذه، ونحن نقدِّم الشكر لأبينا الصالح من أجلها.
كما لو كان مارًّا مرَّ الكرام، ينطِق يوحنّا بالكلمات التي حيّرتْ وأدهشتِ الكثيرَ من قُرّاء الكتاب المقدّس. لماذا يُعلنُ يوحنّا أنّ لا أحدَ قد رأى الله قطّ؟ ماذا بخُصوص إبراهيمَ؟ أو بخصوص موسى؟ أو بخصوص إشعياء؟ أو بخصوص حزقيال؟ هنالك في الخلفيّة، تاريخ طويلٌ للإيمان اليهوديّ. لقد صنعتِ الشعوب الوثنيّةُ صُورًا للآلهة، أصنامًا، وعبَدوها. أمّا بالنسبة لشعوب العهد القديم الذين آمنوا بالخالِق، وكانت هنالك حقيقة مُطلقة مفادُها أنّه لا يجوز أو يُسمح لأيّ إنسان أن يصْنع صورةً لله أو أن يصفَه. إنّه ليس في هيئة إنسان، كما يتصوّر صانعُ صوَر الآلهة. إنّ الربَّ شيء آخرُ تماما. لهذا السبب، نرى أنّ التعاليم اليهوديّةَ اللاحقة، بصدد هذه المسألة، حذرةٌ للغاية، ولم تُرِد إعطاءَ أيّة إمكانيّة أو اِحتمال البتّةَ لفهم العهد القديم بصورة خاطئة. لذلك فُسِّر أنّ القدّيسين في العهد القديم، لم يرَوْا الله في الواقع، ولكن مجْد الله فقط. إنّنا نفهمُ ذلك من خلال إلقاء نظرة خاطفة على الشمس؛ إنّنا، في الواقع، لا نرى الشمس نفسَها، ولكن سُطوعها المبهِر، المذهِل.
المحبّةُ وتأكيدُ الخَلاص 4: 13-21 كيف يُمكنُ أنْ نظلّ ثابتينَ في الإيمان حتّى النهاية؟ يُجيبُ يوحنّا قائلًا، إنّ هذا الأمرَ من شأن روح الله. ومَن يتحمّل ويصبِر حتّى النهاية، هو المؤمنُ بابن الله، والله سيحفظُه الى يوم الحِساب. يجِب أن نعيش ونُحِبَّ قريبَنا، لأنّه هكذا سيعمَل الله من خِلالنا. إنّ الثقةَ الراسخةَ بالله تطرَح الخوف، وتمنحُنا السلام. إنّ كلَّ مَن يخاف منَ الهلاك الأبديّ وغضب الله، لم يكتملْ بعد في المحبّة، ولم يتعلّم بعد بالكامل، معرفةَ عُمْق محبّة الله. من ناحية أُخرى، كلّ مَن يرفُض محبّة قريبه، يرفض الله حتمًا، في الوقت ذاته.
مرة أخرى، نتعلّم أشياءَ كثيرةً من هذا الجزء القصير. إنّ ”المحبّة“ المشارَ إليها في رسائل يوحنّا، لا تعْني الشعورَ بل الفِعل. لا أحدَ يستطيع أن يقول إنّه يُحبّ قريبَه، ومع ذلك، وفي نفس الوقت، يتركُه يتضوّر جوعًا حتّى الموت. ولا يُمكن لأحدٍ أن يقول إنّه يحبّ اللهَ، ومع ذلك يستمرّ في العيش عَمْدًا ضدَّ كلمة الله. إنّ الإيمان والتعليم الصحيح والمحبّةَ كلّها مرتبطةٌ ببعضها البعض، مُكَوِّنة وَحْدة واحدة. لا يُمكن أن يكون هنالك واحد بِلا الآخرَيْن أو أن يكون الآخران بلا الواحد. إذا وضعْنا الإيمانَ في جهة، والحياة في الجهة المقابلة، وهذا ما يحدُث غالبًا، فإنّنا نسير في طريق خاطىء تمامًا. هذان الأمران مجتمعان، لا مَحالةَ ومتلازمان، لا يُمكنُ الفصلُ بينهما.
علاوة على ذلك، بوُسعنا أن نرى ما هو ضمان الخلاص، إنّه معرفة محبّة المسيح، وثقة مؤكّدة في نعْمة الله. هذا التأكيد أوِ اليقين غير موجود لا في أنفُسنا ولا في إيماننا، إنّه في المسيح وفي محبّته. عندما يضع الخاطئ ثقتَه بربّ الصليب، تنطفئ ألسنةُ لهبِ الجحيم، وسلام الله يجعلُنا نتذوّق فرح السماء وسعادَتها. لسْنا قادرين على تصديق أو فهم ذلك بشكل صحيح، وذلك لأنّ قلوبَنا بطيئةٌ في تصديق كلمة الكتاب المقدّس. يبدو أنه أمرٌ لا يُصَدّق، أنّني كما أنا، أستطيعُ أن أكون ابنَ الله، ولكن هذا هو عينُ الصَّواب، لأنّ هذا ما يُعلّمنا إيّاه الكتاب المقدّس!
عائلةُ الله - رِسالةُ يوحنّا الأولى الأصْحاح 5
خلال دراسة رسالة يوحنّا الأولى، ٱستمعنا إلى عِظات متطلّبة وصارمة. وذلك بالإضافة إلى تقديم ضمانات من المواساة والملهِمة بالنعْمة. الآن، في الأصْحاح الأخير من الرسالة، يتحدّث يوحنّا بشكل أساسيّ عن مُتلقّي الرسالة ويُخاطبُهم حاثًّا إيّاهم على محبّة بعضهم البعض.
الآبُ المشتركُ يجلِب المحبّةَ الأخويّة 5: 1-4
يتوجّه يوحنّا بكلامه إلى مستلِمي رسالته. الآن، لا يتعلّق الأمر بشعوب العالَم ولا بالجِنس البشريّ بشكل عامّ، بل يتعلّق، بشكل خاصّ، بالعلاقات بين المسيحيّين أنفسهم بالتَّحديد. إنّ الإيمانَ بالمسيح لا يتأتّى منَ الإنسان نفسِه بل منَ الله. والمؤمن المولود من الله، مولودٌ من جديد. ومع ذلك، فهو ليس بالابن الوحيد في عائلة الله، فهنالك للربّ آخرون كثيرون من أبناء وبنات. والجميعُ بالنسبة للمؤمن المسيحيّ إخوةٌ وأخَوات في الإيمان، إنّهم أبناءُ نفس الآب. كلّ مَن يُحبُّ الآب، يحبُّ أبناءَه أيضًا - كلّ أولئك الذين، بنعْمة الله، أصبحوا شُركاءَ مِثلنا بشكل رائع في الإيمان. إنّ محبّةَ الله لأمرٌ ملموس جدًّا: فهي أوّلًا تتجلّى في علاقتنا معَ المؤمنين، خاصّة الله، وثانيًا، في علاقتنا بوصاياه. إنّ الإيمان الذي يكمُن وراءَ كلّ هذا، هو عطيّة الله، ولأنّه من عند الله، فإنّه ينتصرُ على العالَم أيضًا. شُعلة الإيمان لا تنطفئ، بل تبقى ملتهبةً وتُدفئ الآخرين بمحبّتها. وصايا الله ليست بثقيلة على الإيمان، بل سهْلة التنفيذ.
لقد تعلّمنا من هذه المحاضَرات أنّ رسالةَ يوحنّا الأولى، تتضمّن الكثيرَ في بِِضع كلمات فقط. الأمر نفسه موجودٌ هنا أيضًا، ويُمكنُنا الخوض في الكثير من الأمور الهامّة. على النقيض منَ الادّعاءات المقدّمة، نحن لا نستطيع خلقَ الإيمان لوحدنا، فذلك عطيّة منَ الله. والأمر شبيهٌ تمامًا بحالة الولادة: إذا لم تلِد الأمّ، فلا يولَد أيُّ طفل. إنْ لم يُولِدْنا اللهُ من جديد، أي يمنَحُنا هِبةَ الإيمان، فالإيمان عندَها لا يُمكن أن يتكشّف فينا. لا جدْوى من أيّ قَدْرٍ منَ الضَّغط الدينيّ أوِ الترهيب أو تلميع لصورة الكنيسة، أو أن تكونَ مِثالًا مُمتازًا، لأنّ الإيمانَ باقٍ هديةً منَ الروح القُدس. وهذا يجعلُنا متواضعين أمامَ الربّ. إنّنا نُصلِّي إلى الآب، بدون كِبرياء، وبدون أيّة قوّة بنا، من أجل أن يمنحَنا إيّاها لكي نفْهم نعمتَه ومحبّته. لا نريد أن نقِف مكتوفي الأيدي، منْتظرين دخول الإيمان. ومن أجل حُدوث ذلك، ينبغي اِستخدام أدواتِ الروح القُدس، الكتاب المقدّس، الأسرار المقدّسة: المعموديّة، التَّحِلّة (التبرئة، الغُفران)، والمُناوَلة المقدّسة (عشاء الربّ/العشاء الربّانيّ). ومن خِلال كلّ ذلك، يعمَل الله في وسَطنا ويخلُق إيمانَنا ويصونه. بدون هذا، لن يحصُل شيء يُذكَر في هذا المجال الأكثر أهميّة في حياتنا.
غالبًا ما نتكلّم عن ”الإخوة والأخوات في الإيمان“. بينما نحن هنا، بصدد هذه الفقرة من الكتاب المقدّس، فقد يجدُر بنا بالذكر، أنّ هذه العبارات ليست مجرّدَ كلمات جميلة. عندنا آب مشترك. لا توجد منازل يرغبُ الوالدان في أن يستمرَّ أطفالُهم في الشِّجار، كما هي الحال بين القِطط والكلاب. يُعَدُّ الخِلاف بين الأطفال، أوِ الغضب بين أفراد الأُسرة، قضية مريرة لكثير من الآباء. ولكن، من ناحية أخرى، نرى أنّ المحبّةَ تُجاه بعضهمِ البعْض تجعلُهم سُعداء. وينسحب الأمرُ ذاتُه بالنسبة لعائلة الله. ولا يجوز أن يكون أيُّ مكان للكراهية والغضب، في عائلة الله بصورة خاصّة.
وصايا الله، بالنِّسبة للأشخاص الذين يعتمدون فقط على أنفسهم، مستحيلة بالكامل. وبالنسبة لغير المؤمنين، فإنّ الوصايا تُظهِر فقط إلحادَهم وجحودَهم، إذ أنّهم عندما يقرؤون الوصايا، يروْن أنّ حياتَهم مختلفةٌ عن تلك التي أمرهُم بها. عدمُ الإيمان لن يذعنَ لحكمة الله. إنّ المؤمنَ، كما أكدّنا مرارًا أثناء دراسة هذه الرسالة، غيرُ مكتمل وخاطئ من نواحٍ كثيرة. ومع ذلك، سيخضَع الإيمان الذي منحه الله لوصاياه. هنالك معركة في داخلنا: ذاتنا، أي عدم الإيمان، ما فينا من ضدّ المسيح أي الإيمان. معَ استمرار هذا الوضع، فإمّا أن نتمسّك بكلّ عِمْلة معدنيّة أو أن نتخلّى عن آلاف اليوروهات بكلّ سُرور وحُبور؛ إمّا أن ننتقمَ من إهانة ونردّ عليها بإهانة أو نغفِر ونصفَح ؛ وإمّا أن ننام نومًا عميقًا يومَ الأحد، أو نذهب إلى خِدمة القدّاس، لنمجّدَ فادينا مع شعب الله.
5: 12-5 رسالةُ اللهِ إليْنا
يمكنُ العثورُ على إنجيل بسيطٍ للغاية في القِسم التالي. لا يشهَدُ الناس فحسبْ عن يسوعَ ولكن أيضًا، وقبل كلّ شيء الله الآب. إنّه يشهَد عن ٱبنه المسيحِ يسوعَ بهذا النحو: الله منحَنا الحياة الأبديّةَ في المسيح. إذا كان لدينا المسيح، فلدينا الحياة الأبديّة؛ وبالعكس إذا لم يكُن لدينا المسيح، فلن تكون لدينا الحياة الأبديّة. لقد شهِد الله بهذه الشهادة عدّةَ مرّات. صدى ذلك تجلّى عندما تعمّد المسيح، لكنه اتّضح في موته وقيامته أيضًا. إنّ قيامةَ المسيح هي ”آمين“ الله العظيم الذي أظهر فيها أنّه قد قبِل الذبيحة الكفّاريّة، التي قدّمها ٱبنُه عن خطايا العالَم أجمع. لذلك، فإنّ عَمَلَ الله للخلاص يرتبِطُ ٱرتباطًا وثيقًا جدّا، لا سيّما بمسيرة يسوعَ التاريخيّة على الأرض.
يُصبحُ الجزء المكوَّنُ من الآيات 6-8 مفهومًا، عندما نعلمُ أنَّ بعضَ التعاليم الكاذبة في ذلك الزمن، أنكرت تَألُّمَ يسوعَ وموتَه على الصليب. إلّا أنّها ٱعترفت، أنّ الله قدِ ٱعترف بأنّ المسيحَ هو ٱبنه، أثناءَ معموديّة يسوعَ في نهر الأردن. وبموجب تلك التعاليم، كان يسوعُ مجرَّد نوعٍ منِ الكائنات الإلهية وروحًا فقط، لا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال أن يتألّم ويموت على الصليب. وبخلاف هذه البِدع والهرطقات، يُعلّم يوحنّا، بطريقة بسيطة وواعية، حقيقة الله الكاملة: لم يكن يسوعُ الإلهَ الحقيقيَّ فحسبْ، بل كان إنسانًا حقيقيًّا، سفك دمه الكفّاريّ الثمين على الصليب أيضًا. فمعموديّته تشهَد بنفس الحقيقة كموته، والروح القدُس مع هذه الشهادة. معموديّتنا وشرِكتُنا في القُربان تعْنيان أنّ الله لم يُعطِ شهادتَه مرّة واحدةً فقط في الأرض المقدّسة، لكنّه يُعطيها بٱستمرار في كنيسته.
5: 21-13 اِنتهاءُ الرِّسالة
يبدأ يوحنّا بإنهاء رسالته. يستهلُّ الجزءُ الختاميُّ بطمْأنة مُفرحة، سارّة: أولئك الذين هم حقًّا خاصّةُ الله، لهمُ الحياة الأبديّة، وقد نالوا التبنّي كأبناء الله. كما لدينا الثقة في أنَّ صلواتِنا مسموعةٌ في السماء. في هذا السياق، السؤال الأبرز يدور حولَ صلاة الشفاعة من أجل مؤمنٍ آخرَ. نحن نؤكّد أنّ الصلاة ستُسمع وتُستجاب بالتأكيد، وأنَّ الغفران مؤكّد من أجل المسيح، ما لم يرتكِبِ الشخصُ خطيئةً ”تؤدّي إلى الموت“.
أثارتِ العِبارتان ”الخطيئة التي تُؤدّي إلى الموت“ و ”الخطيئة التي لا تؤدّي إلى الموت“ الكثيرَ منَ الأسئلة في أوساط قرّاء الرسالة في الوقت الحاضر. هل هنالك خطايا يمكنُ أن تُرتكب بثقة وبيَقين؟ وهل هنالك خطايا مُستثناة حتّى من صلاة الشفاعة؟
غالبًا ما يطلُب الكتابُ المقدَّسُ من قارئه، معرفة كيف كانت بعض مواقف وعادات الكنيسة الأولى في الممارسة العمليّة. الكنيسة الأولى، أدركت أنّها تتكوّنُ من خُطاة يحتاجون إلى الرحمة والمغفرة. ومع ذلك، كانت هنالك حالات أدّت إلى طَرْد الشخْص من جماعة المصَلّين. ولقد وُصفت إحدى هذه الحالات في رسالة بولس الأولى إلى كنيسة كورنثوس (الأَصْحاح الخامس). عندما كان يُطْردُ شخصٌ ما من الكنيسة، كان يوضَّحُ له أو لها، أنّه قد فَقَد/فقدت نعمةَ الله ومغفرتَه. كان نظامُ الكنيسة صارما، لكنَّه كان جزءً منَ الإرشاد الروحيّ. عَرف المطرود، على الأقلّ، أنّه في طريقه إلى الهاوية إن لم يتُبْ ويعُدْ إلى الطريق السويّ، وبمقدوره أن يعودَ ويحصُل على المغفرة من جديد. هذا يعني، أنّه سيعود إلى الرعيّة ويتخلّى عنِ البِدع والهرطقات، أو بعض الخطيئة الجسيمة، التي كان يجدّف بها على الله. يبدو أنّ وراءَ الكلمات المبهمة لرسالة يوحنّا الأولى، هذه الممارسة بالذات: في جماعة المصلّين، كانت هنالك شفاعة متبادَلة مستمرّة، صلاة إلى الله لكي يرحمَ المسيحييّن الآخرين أيضًا، ويغفِرَ لهم خطاياهم. إنّ المطرودين من الكنيسة لم يكونوا مُنخرطينَ في عمل المسيح، وهذه الصلاة لم تخصُّهم. كان بالإمكان الصلاة لهم من أجل التوبة والابتعاد عن الخطيئة، وهذا الأمر مختلفٌ تمامًا.
يبدو لنا أنّه من المدْهش والصعب، التعرّف على نظامَ (انضباط) الكنيسة الأولى. وهذا بالكاد ما نقوم بمثله في الوقت الحاضر. وهذا يرجِعُ فقط إلى الفرديّة والليبراليّة في عصرنا: الكنيسة الأولى ليست اِستثنائيّةً على اِمتداد ألف عام، لكنّنا نحنُ. هل نتصوّر أنّ الطريقَ إلى الجحيم قد أصبح أضيقَ وباب الجنة أوسع، ونحن البشر لم نعُد نحذِّر ولا نحُثّ الناس. كانتِ الوصيّة في الكنيسة الأولى واضحةً بصدد صرامة الله ونعمته. وهما تقودان إلى تحمّل المسؤوليّة إزاءَ القريب، وكذلك عند وُجوب استخدام وسائلَ وإجراءات في غاية الشدّة. أين مسؤوليّتُنا تُجاهَ القريب؟ أنَسأل كقايين: ”أحارسٌ أنا لأخي؟“ (سِفْر التكوين 4: 9).
في الآيات الأخيرة منَ الرِّسالة، يقدّم يوحنّا خلاصةً عظيمة: المولودُ منَ الله لا يقترفُ خطايا، ولا يكون تحتَ سُلطان الشرّير كما في العالَم. سوف نُخلَّصُ في اليوم الأخير من خِلال المسيح، الإله الحقّ، إلى الأبد. من يُنكرُه ويكفُر به لا يخدِمُه وعن هذا يُحذّر يوحنّا بشدّة.
وهكذا، كلماتُ الرّسالةِ الأخيرةُ، تؤكّد ما في الرسالة كلِّها. على الإنسان أن يحْيا كٱبن الإنسان وليس كما في العالَم، ويظَلّ في المسيح، لأنّه الأملُ الوحيد لخطيّة الإنسان. هاتان الفِكرتان تُغطّيان معظمَ بُشرى رسالة يوحنّا الأولى. أمامَنا رسالةٌ حارّة في الإرشاد الروحيّ، فيها شدّة وصرامة، وتعكسُ محبّةَ الكاتبِ العظيمةَ للقرّاء.
لقد تكلَّم يوحنّا مُطوّلًا عنِ الإيمان الحقيقيّ والمعرفة الصحيحة. إنّ الجزء الأساسيَّ من الإيمان السليم هو انتهاجُ الحيا