الهذيان العقلي
د .يسر الغريسي حجازي
الهذيان العقلي
"لا توجد أسرار في الحياة، كما لا توجد محظورات أيضًا.
الأمر متروك لنا لمعرفة كيفية التعرف على الحق من الباطل، والأمر متروك لنا إذا أردنا التحرر من القيود والعقائد".
لا أحد مجبر على العيش في ظل عبودية الأيديولوجيات، ولا ديانة تسمح بالظلم والعنف، والحق في إيذاء الآخرين. لا نصر للجهلاء ولا سعادة في السيادة".
من منا لا يشعر بالتوتر والغضب على الأقل مرة واحدة في الأسبوع؟ من منا لم يحبس نفسه، في المنزل حتى لا يتحدث مع أحد؟ من منا لم يتجنب تحية صديق أو زميل كان في طريقه؟ ومع ذلك، لا نتمكن دائمًا من شرح بعض سلوكياتنا ولا نعرف حقًا أسباب هذه الحالات المزاجية المزعجة، والتي تصيب كل واحدا منا.
نحن نتحدث هنا عن السيكولوجية الاجتماعية، التي هي جزء من السيكولوجية العلمية.
انها تسمح لنا بالتعرف على العوامل السلوكية والاجتماعية، التي تؤثر على طبيعة البشر. تلك القواعد تؤثر على الافكار والإرادة، وتدفع إلى التصرف بربوتيه وبدون ادني تفكير. أي انها أصبحت مبرمجة في عقل الانسان.
وما تمليه علينا العادات، تصبح قواعد صلبة غير قابلة للنقاش. وذلك يسبب بحالة الكبت والقلق النفسي، مما يؤثر على الصحة النفسية. كما ان التشدد في العادات تتحول الي عقائد، وينتج عنها القوالب النمطية، والخوف المبالغ مما سيقوله الناس علينا وكيف يمكن ان نخفي مشاكلنا عنهم؟ ما الذي يسمح للإنسان بالتفاعل مع بيئته؟ ان العلاقة بين الفرد والبيئة، لها جانب ديناميكي ومتناسق. والإنسان هو الذي يخلق العوامل البيئية، وهو الذي يقوم بتنظيم قواعدها.
علي سبيل المثال، لماذا يخاف كل واحد منا من الاخر، ولما نتعرض للهجوم بشكل يومي؟ يمكن ان يكون ذلك من قبل الزوج، او العائلة، أو الصديق، أو حتى الزملاء في العمل. علينا أن نعلم: إذا هاجم الانسان شخصا امامه، يعني ذلك انه يحاول السيطرة على ما يقوله. ويأتي ذلك في إطار آليات الدفاع وحماية أنفسنا، من ضعفنا في علاقتنا بالآخرين. اما العدوانية والغضب، كلاهما ناتجة من الإحباطات وعدم الرضا الذي نختبره في حياتنا. والتشدد في التقاليد القديمة يسبب في التمركز العرقي، وهو مفهوم اثني أو أنثروبولوجي قدمه الأستاذ وعالم الاجتماع الأمريكي دبليو جي سمنر في بداية القرن العشرين. وهو يشير إلى حقيقة أن يعيش المرء ثقافته الخاصة كما لو كانت قاعدة عالمية، ويأخذها كإطار مرجعي يسمح للفرد بالحكم على الثقافات والممارسات. غالبًا ما ترتبط المركزية العرقية بالتحيزات العنصرية، ورفض الآخرين.
غالبًا ما تأتي العدوانية والغضب من الإحباطات وعدم الرضا التي قد يوجهها البشر في حياتهم. في الواقع، يتعلم المرء أن يصبح عدوانيًا تمامًا كما يتعلم المرء التحكم في عواطفه وحالاته المزاجية. يمكن للنساء على سبيل المثال، أن يتعرضن للهجوم من قبل أزواجهن الذين تعلموا من الطفولة ان كلمة الذكور هي الناهية. لذلك يمكن أن تكون العدوانية سببًا للقوالب النمطية، مثل السخرية والتقليل من القيمة، وحتى عدم الاحترام تجاه الطرف الآخر. نتعلم أن نصبح عقلانيين تمامًا، كما نتعلم أن نصبح غير منطقيين بمجرد قواعد خاطئة تتسبب في انهيار مجتمع بالكامل. كلما كان الفهم جزءًا من التربية، كلما أصبحنا أكثر حساسية للإيماءات الصحيحة والانفتاح، والانصاف، واحترام الانسان وكرامته.
كل شيء يبدأ بقواعد الموروث الاجتماعي، الذي يتم نقله سلاسة للأجيال القادمة. ويعتبر هذا الموروث عهدة، وواجب الحفاظ عليه. كما أصبحت هذه القواعد ثقيلة على كاهل الانسان، لأنه لم يرغب في تطبيقها. فهو مجبور ان يطبقها بدون أي نقاش. ان هذه القواعد انغرست في البشر، وأصبحت هاجس يهدد واقع ومستقبل البشر. بالتالي، يصبح التواصل مع العالم الخارجي صعبًا، إلى درجة خلق أزمات نفسية خطيرة على الصحة النفسية والجسدية. هناك تركيز منحرف على التعاليم التي قدمتها الأسرة، لان التربية والقواعد الاسرية تتغير مع كل زمان. وكلما يتقدم الانسان، تتغير أفكاره ويتبني قواعد جديدة لينة ومناسبة أكثر لحياته. لا يمكن الاستمرار في الحياة الكريمة، اذا استمر الانسان في التحكم بالأخرين، واذا يتطلع الي تخويف الاخرين من خلال قواعد رجعية تتبني الدين والعبث به. فقد يتسبب ذلك في تحطيم البشر، والألم، والبؤس.
تلك القواعد خاطئة تمامًا، لأنها تعزز التفرقة بين الناس، والعنف، وعدم المساواة وحالة الاستياء. إذا علمتنا التقاليد العائلية أن نقمع عواطفنا، وأن نخلق المحرمات والمحظورات، فمن المؤكد أننا سنواجه مشاكل خطيرة وبشكل يومي.
ان هذه القواعد المتطرفة تبدأ بالأسرة، وتنتقل الي المجتمع لتصبح عقيدة تتمتع بها الطبقات الحاكمة، ولتتأذي بها بقية الشعوب.
وفي إطار هذه العقائد، تتمحور مبادئ الأسرة حول "المثالية والكمال" والحق، وحسب تداعياتهم انها اساس الدين. وهذا يعني أنه سيتعين علينا، إخفاء الحقيقة والتحيل على الدين، وتبني سلوكيات غريبة تقوم بأذية كل من يعيش من حولنا.
بمجرد أن يتعرض الدماغ البشري للضغط، فيتفاعل مع الضغوطات ويعيش الحالات النفسية. وكلما تحرر الانسان، كلما تتحرر ذاته ويصبح محب لنفسه و للجميع.