شعر عبد يونس لافي
[size=32]غرْبَةُ الذات[/size]
ما مِنّا مِنْ أحَدٍ
إلّا عاشَ الْغُرْبَةَ
يومًا مّا،
في شَكْلٍ مّا،
لكِنَّكَ حينَ تعيشُ الْغُرْبَةَ
في ذاتِكَ،
تَمْلَأكَ الْغُرْبَةُ هَمًّا جَمّا.
ستكونُ كَطَيْرٍ سُدَّتْ عنهُ
منافذُ عُشِّهْ،
وتكونُ معاناتُكَ أشْباحًا،
وتُقَيِّدُ عقلَكَ أغْلالٌ،
وتحيطُكَ أسْلاكْ.
أغْلالٌ أسْلاكٌ لا يُدْرِكُها
أحَدٌ من حَوْلِكَ في
هذي الأرضِ، سِواكْ.
وتعيشُ الوَحْدَةَ بينَ الجَمْعِ،
ويُصْبِحُ صَمْتُكَ مَرْفوضًا،
وكلامُكَ ذَمّا،
والْحِكْمَةُ تنطُقُها جُرْما،
وتَكونُ الْبَسْمَةُ تبسِمُها إثْما.
وسَتَبْدو لِلآخَرِ أنَّكَ أحْمَقُ
سًوْداوِيُّ النَّظْرَةِ هالِكْ،
وكأنَّكَ مَمْلوكٌ
لايَفْهَمُك الْغَيْرُ بأنَّكَ مالِكْ.
حينَ تعودُ بك الذِّكرى للماضي،
سَتُتَمْتِمُ وا ثُكْلَكِ يا أُمّي،
لَيْتَكِ أحْسَنْتِ إلَيَّ فلم تَلِدِي!
ما ذَنْبي؟
أغْلالُ الْغُرْبَةِ تُدْمي
رِجلي وَيَدي.
فأنا أرْفُضُ هَرْطَقَةً
يَتَعاطاها البعضُ حَشيشًا
يَجْعَلُهُم أنْعامًا لا فِكْرَ لها
قولي ماذا أصْنَعُ؟
تُؤْذيني هذي الأغْلالْ!
أفَلَمْ أُوْلَدْ حُرّا
فلماذا أحْمِلُ هذي الْأثْقالْ؟
لمْ أكُ أعْرِفُ تلك الأغلالَ ولا
هِيَ تَعْرِفُني حينَ وُلِدْتُ، فَمِن
أيْنَ أتَتْ؟ لا أدري!
انا لا أمْلِكُ إلاّ عَقْلي
يُبْحِرُ يَسْبَحُ في هذا الكونِ
يُفَتِّشُ عن سِرِّ.
أرْكَبُ فوقَ الْمَوْجاتْ
أُسْرِعُ عَلِّي ألْحَقُ بالفوتوناتْ*
وأعودُ أعيشُ نِظامَ النَّحْلِ،
لِأعْرِفَ حُكْمَ المَلِكاتْ.
أتَكَلَّمُ لهْجاتِ النَّملِ لكي
أفْهَمَ معنى الصَّبرِ، ومعنى
أنْ أثْبُتَ في كلِّ الجَبَهاتْ
ليس يَسيرًا
أنْ تشعُرَ بالْغُرْبَةِ،
تقتُلُ فيكَ الرَّغْبَة حين تريدُ الإبْحارَ
الى الأعْماقْ،
او أن تَخْتَرِقَ الآفاقْ.
قاسٍ أن تحْضُرَ لكنَّكَ في مَنْأى،
مُرٌّ أنْ يُبْتَرَ بعضٌ منكَ،
ولا تفعلُ شَيْئا!
* الفوتونات هي جسيماتٌ اولية (elementary particles) تنعدم فيها صفةُ السكونِ (أي لا كتلةَ ساكنةً لها)، فهي في حالةِ حركةٍ مستمرةٍ، على هيئة موجات تتحركُ بسرعةِ الضوءِ، بل ما الضوءُ إلا سيلٌ ( كَمّاتٌ quanta ) منها.