لهيب عبدالخالق
[size=32]في حضن اللحظة[/size]
أقفزُ من سفحِ الغيماتِ
إلى حضنِ اللحظةِ،
أرسمُ فوقَ شآبيبِ الريحِ
جناحينِ
ونهراً أسري فيه،
وأغنيةً كانَ العمُّ "أبو غيلانَ" يردّدُها
حينَ يهذّبُ زاويةَ الوردِ
وأعوادِ الآسِ الأخضرِ
في ركنِ حديقتنا،
كانَ الصبحُ هناكَ
حفياً بالنرجسِ
أو بحكاياتِ الجدّةِ،
وجه أبي،
رقدوا في ذاكَ الحضنِ سنيناً
عشراً،
عشرينَ،
تُرى أنّى غادرْنَا وتركنَا كلَّ الأشياءِ
على قارعةِ البيتْ..
تقفزُ من فورةِ تلكَ الأشياءِ إلى رأسي
أصواتُ الحربِ
وبقايا نخلٍ محروقٍ،
أسرابٌ من أهلي
تركضُ بين سرايا النارِ،
وبيتي ما عادَ على التلِّ الأخضرِ،
ما عادَ لنا بيتٌ،
هل كُنتَ ستخبرني أنكَ حينَ سترحلُ
سوفَ أضِيعُ،
أضيّعُ كلّ الأحلامِ
وأجري بين مرافئِ كلّ الدنيا
أبحثُ عن سكنٍ
وقصيدةْ،
هل كنتَ ستخبرني أنّي
سأكونُ جريداً،
أو قطعةَ خشبٍ طافيةٍ
في بحرِ الظلماتْ...
تقفزُ من قلبي
نجوى خبأتُ ملامحَها في كتبي،
حينَ تركتُ بلاد الله إلى منفايَ،
تركتُ ورائي كلّ الأشياءِ
سوى كُتُبِي،
قالَ الأصحابُ
لَأنكِ مجنونةْ،
لو كنتِ حملتِ ثياباً أو شربةَ ماءٍ
أو بعضَ الزادِ،
ولكنْ لا يعرفُ أحدٌ
أنّي خبأتُ زهورَ مدينتنا
وشذى حبٍّ تركَتْهُ الحربُ وحيداً،
وترانيمَ الفلاحينَ،
نوارس دجلةْ،
وليالٍ ألفٍ من آلافِ الأعمارِ،
وصوتَ أبي يتلو آيات القرآنِ
ويمسحُ رأسي
حينَ يُهدهِدُني،
يوماً ما
سيُغادرُ ماكنتُ أخبئهُ
دفّاتِ الكُتُبِ
إلى حضنِ اللحظةِ،
يقفزُ من قلبي وَخَطاً
يوشمُ أيامي،
يرسمُ لي وطناً
لا يتركني.......
هاليفاكس-كندا
5 أغسطس/آب 2022