عائشة سلطان
نعم لقد تغيرنا..
عندما عرضت أفلام ومسلسلات نهاية الثمانينيات والتسعينيات الشهيرة: ليالي الحلمية بأجزائه الخمسة، والشهد والدموع، والمال والبنون، وغيرها، كنا بالكاد قد تخرجنا من الجامعة، وما زلنا في سنوات العنفوان، كنا صغاراً مندفعين، وممتلئين بالأحلام والأفكار والقناعات والقراءات، وكانت هذه المسلسلات في حلقاتها الأولى كأنها تحكي قصص حياتنا بالضبط، كفاحنا واجتهادنا، وإيماننا ومواقفنا القيمية من الحق والعدل، والظلم والسياسة، وغير ذلك.
لقد كان تشابك أبطال هذه المسلسلات خلال تطور سير الدراما يذكرنا بتشابكنا مع الحياة منذ طفولتنا، فنحن جيل ينتمي لتجربة مختلفة عمن جاءوا بعده، جيل حفر في صخر الواقع بقوة، وأسهم فعلياً في تكوين تجربته وثقافته، وإن بدا هناك الكثير من التشابه، بل التطابق بين ثقافة وأفكار معظم أبناء ذلك الجيل فإن مرد ذلك يعود لتشابه الظروف الاجتماعية والمادية، التي أنتجتنا، وأسهمت في صقلنا وتقوية مداركنا.
يتذكر معظمنا أن الكاتب أسامة أنور عكاشة، رحمة الله عليه، كتب مسلسل ليالي الحلمية، فجاء على شكل ملحمة روى من خلالها التاريخ الاجتماعي والسياسي المعاصر لمصر والمنطقة العربية الحديث، منذ عصر الملك فاروق، وحتى مطلع سنوات التسعينيات، وغزو العراق للكويت واحتلالها، أما إنسانياً فقد رصد العمل التحولات والتبدلات، التي طالت الإنسان، من خلال تأثيرات الثورة والحروب والهزائم والانكسارات وتراجع الحريات، ومنظومات الأخلاق والقيم والحقوق الإنسانية، وتأثير كل ذلك على سلوك وقناعات الناس وأحلامهم.
في تلك السنوات لم نرضَ عن التحولات التي أصابت أبطال العمل، عن تحول شخصياتهم وتبدل قناعاتهم، عن الخلل الذي ضرب أرواحهم ونظرتهم للوطن والحب والمال والتضحية و… وغضبنا وزعلنا من عكاشة، كنا نقول يومها: «إن (علي البدري) كان لازم يتزوج حبيبته (زهرة)»، وإن فلاناً لم يكن عليه أن يتغير ووو.. وقلنا الكثير والكثير حتى مر العمر، وتغيرنا وعرفنا أن أسامة أنور عكاشة كان يكتب بقلم الكاتب الذي عاش الواقع وخبر معنى تحولات الإنسان وانكسار الأحلام، ولو تساءلنا اليوم: أين ذهبت أحلامنا؟ لأيقنا أنه كان محقاً تماماً.