منال رضوان ، في طقوس اللذة .. معزوفة ذاكرة عربية
د. عصام البرام
منال رضوان ، في طقوس اللذة.. معزوفة ذاكرة عربية
شكلت الرواية العربية الحديثة منذ مطلع القرن العشرين وما سبقه بقليل، تأريخاً إبداعياً، وإذا أردنا ان نتناول حثياتيها وتفاصيل أبرز من ظهر على المشهد الثقافي الابداعي فيها، لابد ان نشير الى الذين أعطوا للقصة والرواية وجودها في صميم الحدث من الكتاب الشباب والمعاصرين، الذين تناولوها في كيفية توظيف للزمان والمكان وتأثيرهما على النص الابداعي، وبالتالي على البعد السردي للفعل الروائي.
لقد كان المبدع العربي شاعراً، روائياً، قاصاً فناناً أو إعلامياً وكل ما يدور في فلك الابداع الانساني، يسعى الى حمل قضيته، ذلك إن سلاح الأدب والفن هو المعادل لحمل السلاح في مواجهة التخلف والفساد والجهل المعرفي، والسعي للارتقاء بالثقافة العربية.
إن الأدب والفن وسيلتان استطاع المبدع العربي ان يوظفهما بطريقة فنية ذات بعد دراماتيكي داخل البناء الفني لابداعه القصصي أو الروائي، فهو ينقلها لنا شعراً او سرداً ، يحاكي الواقع المباشر تارة، وتوريةً تارة اخرى، هذا يعني انه يعرف كيف يوظف ادواته الفنية، وكيف يصيغ الجملة التعبيرية داخل ثيمة الرواية او القصة. فهو لا يغوص او ينغمس في السرد بطريقة غير محكمة مترهلة، فالكاتب هو صاحب قضية وأرض وإنسان، هو دائم الحركة في البحث عن مفاهيم ترتقي الى النموذج الحي للانتصار لقضيته الابداعية الانسانية.
لقد حملت الينا الشاعرة والقاصة منال رضوان في مجموعتها القصصية ( طقوس اللذة ) في بعدها الانساني المتناغم بين العاطفة المسلوبة والهم اليومي في الحياة والصراع الاجتماعي داخل مجتمعنا العربي الذي يتمثل ذلك في داخل الوجدان الانساني، وكيف تسرد حكاياتها الى المتلقي بشاعرية نثرية تتوزع داخل ثيمة النص القصصي.
إن مجموعة قصص طقوس اللذة ، تتفاعل مع الواقع بمستويات متعددة، وبأصوات مختلفة تتماسك في بعدها الانساني، وكما أشارت الكاتبة فيها الواقعي وفيها الخيال الذي أضافته أبداعياً، وهذا يقودنا الى اسلوب الواقعية الذي شرع فيها الكثير من ادباءنا الشباب في مطلع حياتهم، عندما يتفاعل احساسه مع ارهاصات الحركة الدورانية للحياة وانعكاساتها عليه، وبالتالي فهو يسعى لان يكتب الى ما يعبر عن مكنوناته الذاتية، أو نبضاته الاسقاطية في السرد داخل البناء الروائي.
فالشخصيات داخل النصوص القصصية، متعددة تتقاطع أفقياً في حوار بشكل تداولي، أي يحتاج القاريء ان يسترسل مع شخصياتها، ليس هذا يعني ان الكاتبة تحاول ان تعطي الجزء اليسير من تفاصيل الاحداث، بل العكس هي تعطي لكل شخصية مساحتها، ولكن يظل الارتكاز وتسليط الضوء على البطل أو الشخصية المحورية وهو دليل التناص بين تجربة الكاتبة وأمساكها بجسد القصة، وهو اسلوب فني راق استطاعت بتوزيع هارموني في أعطاء الدور والحراك للشخصية في قمة عقدة كل قصة، وهو الاسلوب الذي يتميز به الكاتب في توزيع الشخصيات داخل بناء النص والامساك بالخيط والتسلسل به دون هروبه أو ضياعه من التسلسل، أضافة الى التصاعد الدراماتيكي للحدث القصصي، وهذا ما يميز الكتاب المحترفين.
فهي تنتقل بدقة وبايقاع متناغم في الحوار، مما تاخذ بالقارئ فتجعله يعيش الحدث الواقعي، وهي حالة كل قصة ربما عاشها معظمنا خلال حياتنا على مر السنين.
يبدو ان الكاتبة ، تمتلك ذلك الحس الشعري بكتابة النص النثري، مما تعزز هذا التخفيف في الاسترسال بالحوارات الداخلية، وبالتالي أعطاء بعداً فنياً يتماهى بين السرد وشعرية السرد. فالمجموعة القصصية ترتكز على حوارات وسيناريو يصلح بلا تكلفة لاخراجها بعمل درامي تلفازي او سينمائي، لو تمكن منها مخرج محترف.
فالتراجيدية التي ترسم خطواتها داخل بعض القصص، التي يذكرنا بالاعمال الدرامية التي عشناها، وهي حالة إنسانية وضحية الواقع الاجتماعي العربي الذي ارتبط بالذاكرة الجمعية للقاريء او المتلقي.
أن القصة و الرواية العربية، لازالت بخير رغم ما تئن فيها اللوعة الاجتماعية، وما تحمل من تضاد كما هو الحال في الصراع الأسري؛ بين الحب والكراهية، والقبول والرفض، والتضحية والنكران، والفوراق الاجتماعية ..الخ. وهنا تسعى منال رضوان الى الاخذ بايدينا في دهاليز الواقع الاجتماعي عبر سردية عالية تطرحها الكاتبة بمجموعتها القصصية، وهي تمنحنا من خلالها بنقل تجربتها الشخصية الى الاجيال اللاحقة، لتقول لهم: اللا نكرر ما كنا عليه في السابق بل الحب والحياة والتفاهم والرضا والإيثار هم عناوين الحياة وبناء السعادة الحقة، ويكاد ذلك هو واقع إنعكاس الواقع الاجتماعي العربي تقريبا، لعوامل البيئة والتربية والموروث التي تعيشها، وبكل تفاصيلها الاخرى.
إن القصة و الرواية العربية لها خصوصيتها الابداعية ، فهي تحمل الهم الانساني، واذا كانت الكاتبة قدمت لنا مجموعتها القصصية التي حملت كل أبعاد الصراع على المستوى الاجتماعي والاقتصادي أو موقف المجتمع السلبي من ظواهر يعتقدها إيجابية، لكنها قدمت لنا فعلاً ذات عمق أفقي أفترشت الاحداث على جسد قصصها، وجاءت بتقنية سردية عالية ، فضلاً عن تنوع الاسلوب الذي توزع بين شخوصها وابطالها، وهذا يعني أنها (أي الكاتبة) قطعت شوطاً في الكتابة، وخبرة بناء فني، ولها خصوصيتها التي منحتها من خلال امتلاكها بزمام الاحداث بتقنية وتؤدة عالية، لا يفلح فيها الكاتب الوليد. فالكثير من الكتاب يخلطون بين العام والذات عند الشروع بالعمل الابداعي لهم، أو بين الذات والأنا الأعلى او كما يقول عالم النفس سيجموند فرويد بين الأنا والأنا الاعلى.
في حين قدمت لنا الكاتبة منال رضوان نموذج الكتابة المعاصرة خلافاً عن الكتابات الكلاسيكية بنمط ربما يحسبه البعض ما يطلق عليه بالتجريب السردي المعاصر، ولكن عموماً، يبقى عمل مجموعة ( طقوس اللذة ) واقعة تدفق وارتباط انساني بين القيم والمُثل والتمسك بها، والارهاصات والانسان وهو محور الحدث، والحياة التي تشكل الغطاء الأرحب للأرض والانسان.
وهي قصص الواقعية العربية المفعمة بخصوبة الخيال كما أسميتها، التي أضافت للقصة العربية تراثاً ابداعياً آخر.