قصة قصيرة - اليتيمة / الجزء الثاني
بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة -اليتيمة/الجزء الثاني
من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط[url=https://algardenia.com/ https:/algardenia.com/maqalat/58244-2023-04-03-09-06-54.html]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][/url]
خرجت سوسن من بيت جميل مبكرة في صباح اليوم التالي دون ان تتناول افطارها، خوفاً من التأخيرعلى محاضرة الرياضيات لتركب الحافلة التي ستقلها الى مدرستها، فوصلتها عند الثامنة الا ربعاً وهذا شيء مطمئنٌ جداً لها. كان وصولها للمدرسة دقائق معدودات قبل ان يدق الجرس معلناً ابتداء الحصة الاولى. اما والدتها فذهبت الى المطبخ كي تتناول وجبة الافطار لتفاجأ هناك بسيدة نحيفة في عقدها السادس جالسة على احدى كراسي المطبخ. حيتها وقالت،
نزيهة : السلام عليكم، انا اسمي نزيهة، لقد انتقلت مع ابنتي ليلة البارحة الى هذا البيت.
مريم : انا اسمي مريم، انا مدبرة المنزل هنا. هل ستبقون بهذا البيت بشكل دائم؟
نزيهة : اجل، هذا ما قاله لنا السيد جميل. وقال كذلك انك كنت تهددينه بترك عملك لديهم.
مريم : كذّاب.
نزيهة : عفواً؟ لم افهم قصدك!
مريم : جميل يكذب عليكِ. انا لم اهدده بشيء بل طلبت منه مراراً وتكراراً ان يتركني بحال سبيلي لكنه كان يتوعد بقتل اولادي وتدمير عائلتي إن فعلتُ ذلك.
نزيهة : جميل يتكلم هكذا؟ لا، لا، لا اصدق ابداً. ماذا تقولين يا اختي؟ الاستاذ جميل انسان رائع ولا يفعل ذلك ابداً. هل انت متأكدة انك تتكلمين عن صاحب هذا الدار ام ربما تقصدين جميل آخر؟
مريم : هناك جميل واحد فقط وهو شيطان من شياطين جهنم.
نزيهة : ما هذا الكلام؟ يبدو انك لا تعي ما تقولين يا مريم. كلام مثل هذا لا يصح بحق الرجل الطيب. ذلك عيب وافتراء.
مريم : ابداً، ابداً، انت وابنتك في خطر كبير وانتما لا تعلمان. لقد وقعتما بفخ ذلك المفترس الشرير وسوف يستغلكما لاغراضه الدنيئة. سوف يدمر حياتكما كما دمر حياتي وحياة زوجي واولادي.
نزيهة : كيف؟ ارجوكِ أوضحي؟ اخبريني بكل شيء فانا مصدومة.
مريم : في الماضي كنت اعمل فرّاشة بمدرسته، وعندما ضاقت بي السبل، اردت ان استقيل لابحث عن عمل آخر يوفر لي مرتب افضل كي استطيع ان اعيل زوجي المقعد واولادي الصغار الاربعة. الا ان جميل عرض علي ان اعمل في بيته كي اعتني بزوجته المريضة مقابل مضاعفة مرتبي الذي كنتُ اتقاضاه من المدرسة فوافقت، ويا ليتني لم افعل ذلك. فقد اصبحت عبدة لزوجته الحقيرة وتلميحاتها المشينة التي كانت تنعتني بالعاهرة. والآن نال منها المرض واصبحت تنتظر متبرع لقلب جديد باي ثمن.
نزيهة : يا الهي، واين هي الآن؟ هل هي هنا بالطابق العلوي؟
مريم : كلا، انها بالمشفى نقلوها هناك قبل بضعة ايام انها تصارع الموت. لقد سمعته يتحدث بالهاتف ويقول ان المتبرعة الشابة اصبحت جاهزة وسوف تسكن ببيته عن قريب بشكل دائم. بالتأكيد كان يقصد ابنتك.
نزيهة : يا الهي، انه يريد ان يقتل ابنتي كي يحصل على قلبها. لقد اغدق علينا المال واسكننا عنده كي يتمكن من اخذ قلب ابنتي. سوف لن ادعه ينجو بفعلته. سوف احميها منه مهما كلف الامر. لم يبقى لدي احد بهذه الدنيا سواها. انا لا اريدها ان تضيع مني.
مريم : إذهبي الآن يا اختي وحاولي ان تأخذيها وترحلي بعيداً عن هذا الرجل الشرير باسرع وقت ممكن فالوقت لم يَفُتْكِ بعد.
نزيهة : حسناً سوف اخرج الآن فوراً. ساخذها من مدرستها لنرحل بعيداً جداً. بعيداً عن براثن ذلك الوحش الكاسر.
مريم : عليكِ ان تسرعي فهم ينوون نقل ابنتك للمشفى اليوم. لقد سمعته يتكلم بالهاتف ويقول لاحدهم انه سيأخذها من مدرستها ويأتي بها للمشفى لان حالة زوجته اصبحت سيئة للغاية وقد تفارق الحياة باي لحظة.
نزيهة : انا خارجة الآن. شكراً لكِ يا اختي.
ركضت نزيهة الى غرفتها لترتدي عبائتها وتخرج كالمجنونة لتلحق الحافلة حتى تنقذ ابنتها. ولكن وقع ما لم يكن بالحسبان ابداً. فور خروجها من بيت جميل، عبرت الشارع مسرعة لتستقل الحافلة القادمة من بعيد. اتت سيارة تسير بسرعة فائقة فدهستها لتفارق الحياة على الفور الا ان السائق لم يتوقف ابداً بل صدمها وفر على عجل كي لا تلاحقه الشرطة.
<<<<<<<<<<
دخل جميل اعدادية النبراس للبنات وتوجه مباشرة نحو مكتب الادارة. طرق الباب ودخل فاستقبلته مديرة المدرسة، حياها بادب وقال،
جميل : سيدتي الفاضلة انا اسمي جميل الزهاوي مدير اعدادية تموز للبنين.
المديرة : اهلاً وسهلاً بك سيد جميل، تفضل، كيف استطيع مساعدتك؟
جميل : انا ولي امر سوسن عبد الستار الطالبة لديكم في الصف السادس العلمي. اريد ان اخبر سوسن عن حادث اليم وقع لوالدتها. فقد تعرضت المسكينة لدهس بسيارة عابرة، نُقِلَتْ على اثرها للمشفى.
المديرة : يا الهي، كم هو خبر مفجع. سابعث الفراشة كي تحضرها من صفها. تفضل بالجلوس لو سمحت.
خرجت الفراشة مسرعة من مكتب المديرة وصعدت الى الطابق العلوي لتحضر الطالبة من صفها وتعود بها الى مكتب المديرة. دخلت سوسن المكتب فرأت جميل جالساً على الكرسي قالت،
سوسن : عمي جميل! ما الذي اتى بك الى هنا؟ ما الامر؟ هل وقع مكروه لامي؟
جميل : اجل يا بنيتي لقد دهستها سيارة وهي في طريقها للسوق ذهبت لتشتري بعض الخضار.
سوسن : وما هي حالتها الآن؟ هل هي بخير؟ ارجوك اخبرني ولا تكذب عليّ؟
جميل : لا تقلقي يا حبيبتي انها بخير لقد كسر ذراعها وضلعين فقط. لقد جئت للتو من المشفى.
سوسن : يا حبيبتي يا امي، يجب ان اذهب لاراها حالاً.
جميل : ساخذك اليها الآن لا تقلقي يا بنيتي.
المديرة : وماذا عن دروسك؟ فانت في المرحلة المنتهية يا سوسن.
سوسن : لتذهب الدروس الى الجحيم. انها امي يا حضرة المديرة. الم يكفني فقدان والدي قبل شهور؟ هل سافقد امي كذلك؟
جميل : سأعيدها بنفسي يا حضرة المديرة، لا تقلقي. يجب ان ترى امها وتطمئن عليها.
المديرة : حسناً، ولكن حاولي ان لا تتأخري على حصة الكيمياء يا سوسن، مفهوم؟
سوسن : مفهوم ست.
خرجا من بوابة المدرسة مسرعين ليركبا سيارة جميل الا انها لم تتوقف عن البكاء والنحيب طوال الطريق. كانت تقرأ السور القرآنية وتتضرع الى الله كي يرفق بامها ويمنحها النجاة من الحادث. وعندما وصلت السيارة الى المشفى نظرت سوسن الى جميل وسألته،
سوسن : اليست هذه نفس المشفى التي توفى بها والدي؟
جميل : اجل يا حبيبتي. نقلتها سيارة الاسعاف الى هنا لانها كانت الاقرب الى مكان وقوع الحادث. تعالي معي ودعينا ندخل لنطمئن عليها.
دخلا باب المشفى الرئيسي وتوجها الى وسط باحة المشفى لكن الممرض شدراك كان ماراً من هناك بمحض الصدفة وهو في طريقه الى خارج المشفى فلمح جميل وسوسن اثناء دخولهما من الباب الرئيسي. استغرب كثيراً وقال لنفسه، "اليست هذه الشابة الفظة التي صفعتني وبصقت بوجهي عندما توفى والدها قبل 4 شهور؟ ماذا تفعل هنا مع والد الدكتور قصي؟ انه امر غريب حقاً".
سارت سوسن بصحبة جميل في الممر فاقبلت عليهم ممرضة مفرطة البدانة سألت،
الممرضة : هل احضرت ابنة المصابة يا استاذ جميل؟
جميل : اجل هذه ابنتها سوسن لقد جائت لتطمئن عليها. يجب ان تدخل لتراها.
الممرضة : انها لا تستطيع الدخول بالوقت الحالي لأن المصابة فقدت الكثير من الدم وهي بحاجة ماسة الى قنينتين.
سوسن : ارجوكِ دعيني اراها يا يا....
هديل : انا اسمي سستر هديل.
سوسن : يا سستر هديل، بامكاني ان اتبرع لها بالدم لان دمي يوالم جميع الفئات. خذي كل ما تحتاجين لانقاذها.
هديل : لا يمكنك الدخول عليها الآن لكنك تقدرين التبرعِ بالدم تعالي معي.
نظر جميل بعينها وبكل هدوء وثقة اومأ برأسه وقال وهو يبتسم،
جميل : اذهبي مع السستر يا حبيبتي ودعيها تأخذ منك ما تحتاجه من دم. سابقى هنا بالخارج إن احتجتم لاي شيء.
دخلت سوسن مع الممرضة باحدى الغرف، فرأت الدكتور قصي واقفاً هناك يسأل،
قصي : ما هي فصيلة دمك يا آنسة؟
سوسن : انها (O) يا دكتور.
قصي : هذا جيد. خذي منها قنينتين يا هديل.
هديل : حاضر دكتور.
خرج الدكتور قصي من الغرفة فاقبلت هديل وبيدها ابرة حقن اعتيادية ارادت غرسها بذراع سوسن فاوقفتها سوسن وقالت،
سوسن : لقد سبق وان تبرعت بالدم سابقاً عندما كنت بالصف الرابع عام. لكنهم لم يأخذوا مني الدم بهذه الطريقة.
هديل : لا تقلقي يا فتاة. امك بحالة خطيرة وليس لدينا الوقت الكافي للشكليات. ارجوك لا تتلكئي والا فان امك ستموت إذا تأخرنا.
غرست الابرة بذراعها وحقنت سائل المورفين المخدر بدمها لتَفقدَ سوسن الوعي بعد ثوان فقط فدخل الدكتور وأمر،
قصي : ادخليها الى غرفة العمليات. سنستخرج قلبها في الحال.
بهذه الاثناء وقف الممرض شدراك مشدوهاً وقال في سريرته، "توقف يا شدراك يا ابن جرجيس، يا ترى ما الذي يجري هنا؟ ففي الصباح الباكر رأيت والدة الدكتور قصي ينقلونها من احدى الغرف بالطابق الثاني لتدخل غرفة العمليات رقم 2 ولم تخرج منها. بعدها رأيت ابنة الرجل الذي توفى قبل 4 شهور مع والد الدكتور قصي يدخلون المشفى. ثم رأيت (السعلوة) هديل تدخل مع الشابة الى غرفة العمليات. يبدو ان هناك امراً مريباً يحصل. لقد وعدت نفسي ان لا اسعى وراء فضولي فتنزل المصائب فوق رأسي كالمطر لكنني الآن في غاية الحيرة. يا ترى ما الذي يجري؟ دعني اتحقق واحاول ان اتبين الامر". دخل غرفة العمليات ببطئ شديد فوجد مريضاً مستلقياً على السرير مغطى بوشاح ابيض وكمامة اوكسجين مثبتة فوق انفه وفمه والطبيب يستعد لاجراء العملية عليه. ادار الطبيب رأسه فرأى شدراك يتسلل الى غرفة العمليات، قال بغضب،
د. قصي : ما الذي تفعله هنا؟ نحن نجري عملية خطيرة لرجل مسن في الثمانين من العمر.
شدراك : انا آسف يا دكتور لقد دخلت الى هنا عن طريق الخطأ.
د. قصي : إذاً هيا اخرج على الفور ودعنا نجري العملية. لا اريدك ان تلوث الجو بجراثيمك.
شدراك : سامحني يا دكتور، ساخرج الآن.
وقبل ان يخرج تفحص سرير العملية فلمح كف المريض الممدد على السرير خارجاً من تحت الوشاح الابيض واذا به يرى الوحمة التي على كف المريض.
انها على شكل ثلاث بقع غامقة فوق الكف وهي نفس ما رآه عندما صفعته سوسن قبل 4 شهور فتذكرها وقال لنفسه، "الآن فهمت العبارة، انهم يخرجون قلب الفتاة الشابة ويضعونه بصدر المرأة العجوز والدة قصي. يا الهي، هذه جريمة قتل، انها مؤامرة قذرة. يجب علي ان اتصرف، ليس هناك الكثير من الوقت لاوقفهم عند حدهم".
خرج شدراك من غرفة العمليات وصار يركض باقصى سرعته متوجهاً الى الباب الرئيسي للمشفى. "يجب عليّ ان امنعهم قبل ان يقتلوا تلك المسكينة فعمرها بالكاد 20 سنة او اقل من ذلك بقليل. ويحهم هؤلاء الوحوش البشرية. علي ان افعل ما في وسعي لانقاذها". وصل باحة الاستعلامات ورأى الموظفة خلود الجالسة خلف منضدتها فصرخ باعلى صوته،
شدراك : اطـــــــــــلبي الشرطة يا خلود. هناك جريمة قتل ترتكب بداخل غرفة العمليات.
خلود : هل جننت يا شدراك؟ ما الذي يجعلك تقول ذلك؟ ولماذا تقحم نفسك بامور لا تعنيك؟
شدراك : ليس هناك وقت كافٍ للشرح، الفتاة ستموت بعد قليل إن لم نفعل شيئاً. ارجوكِ اتصلي بمركز الشرطة المجاور واخبريهم عن الجريمة. انا مسؤولٌ عما اقول. افعليها قبل فوات الاوان.
رفعت خلود سماعة الهاتف واتصلت بمركز الشرطة لتبلغهم بما طلب منها شدراك فرد عليها الشرطي بان قوة من رجال الشرطة ستتحرك صوب المشفى على الفور. بهذه الاثناء ركض شدراك الى خارج باب المشفى الرئيسي فوجد الحارس المسن يقف الى جانب الباب كان قد ركن بندقيته على الحائط ليدخن سيجارة ملفوفة يدوياً سأله،
شدراك : هل تستطيع استخدام هذه البندقية؟
الحارس المسن : تعلمتها منذ زمن بعيد لكنني اعتقد انني اتذكر استعمالها الا انني لست بارعاً بالتهديف.
شدراك : إذاً تعال معي وان شاء الله ستتذكر. دعنا نتدخل كي ننقذ حياة فتاة بمقتبل العمر. انهم يريدون قتلها. هل بامكانك ان تركض؟
رمى الحارس المسن سيجارته على الارض وحمل البندقية ليدخل بها خلف شدراك محاولاً اللحاق به. وبينما هم يركضون لمحته خلود من بعيد فصرخت باعلى صوتها،
خلود : تــــــــــــــــقول الشرطة انهم في الطريق الى هنا.
شدراك : فور وصولهم المشفى دعيهم يلحقون بنا الى غرفة العمليات رقم 2 يباركك الرب يا خلود.
خلود : ساجلبهم بنفسي والحق بكم.
ركض شدراك والحارس المسن بالممر حتى وصلا غرفة العمليات. اقتحما الباب بعنف فانفتح على مصراعيه. سدد الحارس بندقيته صوب الدكتور قصي وقال، "توقف الآن والا اطلقت عليك النار".
كان الدكتور قد وضع المشرط على صدر سوسن وكان يهم بفتح صدرها. لكنه لما سمع صوت الحارس تجمدت يداه بعد ان تسبب بجرح سطحي على صدر سوسن بين ثدييها. ادار رأسه نحو الحارس وقال،
د. قصي : ماذا تقول ايها العجوز الخرف. هل ستتدخل بعملنا الآن؟ انت مجرد حارس للمشفى. اخرج من هنا على الفور.
الحارس المسن : قلت لك توقف عما تعمل وابتعد عن الفتاة والا اطلقت عليك النار.
نظر قصي الى الممرضة هديل وقال،
د. قصي : أخرجي هذا المتخلف الجاهل من غرفة العمليات ودعينا نواصل العملية، هيا اسرعي.
بهذه اللحظة قام الحارس بسحب الاقسام ليلقم بندقيته كي يطلق النار فجمدت الممرضة هديل بمكانها. هنا صرخ الحارس باعلى صوته مزمجراً كالاسد،
الحارس المسن : ليبتعـــــــــد الجميع عن الفتاة والا ساقتل اول من يمسسها بدون تردد؟
د. قصي : من قال لكم انها فتاة ايها الاوباش؟ المريض هو رجل مسن هيا اخرجا.
الحارس المسن : والله العظيم ساطلق النار الآن لاول من يخطوا خطوة واحدة نحوها. هيا ابـــــــــــتعدوا.
ابتعد الجميع عن المريض فتقدم شدراك نحو الشخص الممدد على السرير وازال الوشاح الابيض الذي كان يغطي يده، فرفع المعصم للاعلى ليرى الوحمة التي كانت على شكل ثلاث بقع متباينة الحجم فوق الكف قال،
شدراك : هذا هو الدليل.
ازال كمامة الاوكسجين من على وجهها فبانت تقاطيعها اليافعة.
شدراك : هل هذا رجل مسن؟ تكلموا هل هو رجل بالثمانين يا سفلة؟ ستشنقون جميعاً بما فعلتم يا مجرمين. انا اعرف هذه الفتاة جيداً عندما توفى والدها قبل 4 اشهر.
بهذ اللحظة دخلت قوة مؤلفة من 7 عناصر من افراد الشرطة يترأسهم ضابط برتبة عقيد فقال للحارس المسن ممسكاً بسبطانة بندقيته،
العقيد : احسنت صنعاً يا عمي حسين. اخفض سلاحك الآن، ساتولى انا المهمة من الآن فصاعداً.
بتلك الاثناء كان د. قصي يتصبب عرقاً لانه يعلم تماماً ما اقترفته يداه من الشروع بالقتل والاشتراك بالمؤامرة التي خطط لها والده وكذلك ما يتنظره من خزي وعار وخيانة للمهنة وهذا سيقوده من دون شك الى حبل المشنقة. فقال لجميع طاقمه الطبي،
د. قصي : تراجعوا الى الوراء واطيعوا الضابط. اللعبة قد انتهت (گيم اوڤر).
تقرب شدراك من الفتاة ونظر اليها ومسح على رأسها ثم قال،
شدراك : الفتاة بخير لكنها مازالت تحت تأثير البنج. متى ستستيقظ يا فراس؟
اجابه اختصاصي التخدير قائلاً،
فراس : بعد ساعة تقريباً.
شدراك : بامكانك اخذ جميع افراد الطاقم الطبي يا سيادة العقيد وانا ساهتم بالفتاة واضمد الجرح الذي على صدرها وسابقى معها حتى تستيقظ.
العقيد : هل جرحها بليغ يا شدراك؟
شدراك : كلا انه سطحي وسيندمل بوقت قصير.
اقتادت عناصر الشرطة جميع افراد الطاقم الطبي ليخرجوهم من غرفة العمليات ويحتجزوهم بالردهة المجاورة في باحة التعقيم. انتظروا لمدة 50 دقيقة حين سمعوا صوت شدراك من داخل غرفة العمليات ينادي،
شدراك : حضــــــــرة العقيد، حضــــــــرة العقيد، اسرع لقد فاقت الفتاة.
دخل العقيد غرفة العمليات من جديد فرأى سوسن تنظر بغضب جامح بوجه شدراك وتقول،
سوسن : اهذا انت ايها الابليس اللعين؟ هل كنت تريد الانتقام مني؟
تقرب منها العقيد وقال مبتسماً،
العقيد : انت محظوظة جداً يا آنسة، فلولا هذا الممرض الشجاع لكنت الآن من عداد الاموات. انه هو الذي انقذ حياتك من مؤامرة دنيئة كانت ستتسبب برحيلك من هذه الدنيا.
سوسن : اي مؤامرة يا حضرة الضابط؟ المرء لا يموت عندما يتبرع بالدم. كانوا سيأخذون مني دماً ليعطوه لوالدتي لكنني اصبت بالهلع ففقدت الوعي. هذا كل ما في الامر.
العقيد : كلا يابنتي، كانوا يريدون ان يستخرجوا قلبك ويمنحوه لوالدة الدكتور قصي فحقنوك بالمخدر. لكن الممرض شدراك حلل المؤامرة واعلمنا بكل شيء في الوقت المناسب وقام بعمل بطولي ليوقفهم عن قتلك.
سوسن : لكن عمي جميل ما كان ليسمح لهم ان يؤذوني لو كان يعلم بالمؤامرة.
شدراك : هل تعلمين يا سوسن ان بين قوسين (عمك جميل) هو والد الدكتور قصي. والمتلقية لقلبك هي نفسها زوجة عمك جميل. لقد كانت تنتظر قلبك بغرفة العمليات المجاورة. وهي الآن على وشك الموت.
نظرت سوسن الى شدراك وقالت بخجل،
سوسن : انا اشكرك يا شدراك. هذه المرة الثانية التي اغلط فيها بحقك لكنك ستسامحني لا محال لانك طيب وذو قلب ذهبي كبير. تعال الى هنا ودعني اقبلك.
دنا منها وهو يبتسم وادار لها وجنته فقبلته قبلة شكر وامتنان.
العقيد : وبما انكِ اصبحتِ بخير وبامكانكِ ان تقفي على ساقيكِ. دعنا نذهب جميعاً الى مركز الشرطة، انه قريب جداً من المشفى ولا يبعد سوى مئة متر تقريباً.
في تلك الاثناء بحث رجال الشرطة كثيراً عن جميل بداخل المشفى لكنهم لم يعثروا عليه هناك فأخرجوا معهم الطاقم الطبي والممرض شدراك وسوسن واخذوا كذلك حارس المشفى وموظفة الاستعلامات خلود ليدلوا بشهاداتهم. دخلوا جميعاً مخفر الشرطة فاقتادوهم الى مكتب العقيد ليقف الطاقم الطبي بزاوية من زوايا الغرفة بينما جلست سوسن وشدراك على الكراسي فقال العقيد،
العقيد : ساقوم باخذ بيانات الجميع وسابدأ معكَ يا شدراك.
شدراك : اسمي شدراك جرجيس يوسف. العمر 36 سنة اسكن بحي العدل مع والدتي المسنة. اعمل بهذا المشفى منذ اكثر من 10 سنوات.
العقيد : وانت يا آنسة سوسن؟
سوسن : اسمي سوسن عبد الستار العمر 20 سنة، طالبة بالصف السادس علمي في اعدادية النبراس للبنات. اسكن مع والدتي ببيت عمي جميل في حي الحرية الثالث.
العقيد : ما هذه الصدفة الغريبة! فاليوم وقع حادث دهس لسيدة مجهولة الهوية بحي الحرية الثالث وهرب السائق بعد ان دهسها. اسمعي يا سوسن، هل تعلمين ان هذا الطبيب الواقف امامك والمدعو قصي كان يريد قتلك هو بالحقيقة ابن جميل؟
سوسن : اجل اخبرني شدراك بذلك. لقد كنّا نعتقد ان العم جميل ملاكاً طاهراً يمشي على الارض. فقد كان صديقاً لوالدي. وبعد ان توفي والدي قام بمساعدتنا كثيراً. ولما تداعت اوضاعنا المالية لم نتمكن من دفع الايجار. قام بنقلنا الى بيته كي نسكن عنده دون ان ندفع له فلساً واحداً. واليوم اسمع منكم هذا الكلام. انه امر محير حقاً.
العقيد : وماذا حل بوالدة الدكتور قصي يا خلود؟
خلود : والدة الدكتور قصي تنتظر عملية نقل قلب. ربما تكون قد ماتت الآن. لانها هناك منذ اكثر من ساعتين ترقد وحدها بغرفة العمليات رقم 1.
هنا سألت سوسن باستغراب،
سوسن : اين والدتي إذاً؟
العقيد : لا اعلم والله، اغلب الظن انها لا تزال ببيت جميل السافل.
فجأة دخل احد العناصر وقال،
عنصر : سيدي لقد ذهبنا الى بيت جميل الزهاوي لكن البيت كان خالياً. طرقنا الباب كثيراً حتى كاد يتكسر لكن احداً لم يفتح لنا الباب.
قالها وخرج من المكتب. تسائلت سوسن في سرها، "يا ترى، اين تكونين قد ذهبتِ يا امي؟". بعد مرور نصف ساعة دخل عنصر آخر الى مكتب العقيد وقال،
عنصر : سيدي، لقد تحققنا من عملية الدهس بحي الحرية الثالث وعندما استجوبنا معظم افراد الحي تبين ان احد الاطفال بذلك الحي قام بتسجيل رقم السيارة التي دهست القتيلة.
العقيد : وهل تحققتم في سجلات المرور عن صاحب السيارة؟
عنصر : اجل سيدي، صاحب السيارة يدعى فالح السوداني.
هنا تدخلت سوسن وقالت،
سوسن : ما هذه الصدفة يا حضرة الضابط انا اعرف هذا الانسان تماماً. انه مالك بيتنا القديم وكنيته ابو سليمان. هو الذي طالبنا بالايجار لثلاثة اشهر خلت ولما تعذر علينا دفع المبلغ قام بطردنا من بيته فاستقبلنا وقتها جميل ببيته.
استدعى العقيد احد اعوانه الى المكتب وقال له،
العقيد : يا رافع خذ معك قوة من اربع رجال واذهبوا الى بيت فالح السوداني لتحضروه الى هنا على الفور.
عنصر : حاضر سيدي.
العقيد : وانت يا دكتور قصي، تعال وقف امامي بوسط الغرفة، دعنا ننظر الى طلعتك البهية يا انسان يا مثقف يا من اقسمت على انقاذ ارواح البشر. تحدث معي وقل لي كيف سولت لك نفسك كي تدخل بمؤامرة دنيئة مثل هذه؟
قصي : كان كل همي هو انقاذ حياة والدتي يا حضرة الضابط. لقد كانت بحالة مزرية. انتظرنا كثيراً كي نحصل لها على قلب متبرع لكن دون جدوى.
العقيد : الغاية تبرر الوسيلة، اليس كذلك يا حيوان؟ كم انت واطئ وحقير. ولكن قل لي، كيف عرفت ان قلب سوسن سيتوالم مع جسد والدتك؟ الم يجدر بك التحقق من تطابق المتبرع للمتلقي؟
قصي : قبل ان يتوفى والد سوسن. وقتها انتشر وباء الكوليرا بالبلاد كان لزاماً على التلاميذ بمدرسة والدي تلقى اللقاح ضد الكوليرا. لذا استغل ابي تلك الفرصة وقال لوالد سوسن انه سيذهب الى صحة الطلاب لعقد اجتماع مع مدير صحة الطلاب، وبامكانه اخذ سوسن معه كي يقوموا بتلقيحها هناك فوافق والدها وارسلها معه. وفي صحة الطلاب قمنا بشراء ذمة احد الممرضين كي يجري بعض الفحوصات عليها دون ان تشعر لكي نحاول ان نجري المقارنة مع والدتي. فتطابقا على قدر كبير.
العقيد : يبدو انكم حسبتم حساب كل شيء بدقة تامة. الجريمة الكاملة اليس كذلك؟ ما اقذرك يا جزار.
نظر العقيد للعنصر رافع الذي كان يقف الى جانب الدكتور وقال،
العقيد : خذ معك كل هذه القمامة الى زنزانة التوقيف يا رافع ولتبقى الآنسة سوسن والممرض شدراك جالسين عندي. اما الآنسة خلود والعم حسين فبامكانهما العودة الى عملهما بالمشفى.
بهذه اللحظة تلقى العقيد مكالمة هاتفية مقتضبة ثم عاد ونظر الى الجميع فسمع الدكتور يقول،
قصي : لحظة واحدة يا سيادة العقيد ارجوك. انا اعرف انني استحق كل ما سيأتي في طريقي حتى الاعدام ولكن ارجوك، الا تمكنتم من الاستفسار عن حالة والدتي؟
العقيد : لقد تحدثت مع مدير المشفى عبر الهاتف قبل لحظات فاخبرني بانها فارقت الحياة.
قالت سوسن في سرها، "يا ترى اين انت يا امي؟ اين ذهبت وسط كل هذه الاحداث المرعبة؟ انا اخاف عليك كثيراً". سار العنصر رافع وقام باقتياد المتهمين الى خارج مكتب العقيد. وفي حوالي الثانية بعد الظهر دخل عنصر آخر وبيده اكياس بلاستيكية كثيرة فتحها وأخرج منها صحون كارتونية ملئى بالكباب والطرشي والخبز العراقي ليضعها على الطاولة. فدعاهم العقيد وطلب منهم الجلوس على المائدة ليتناولا الطعام معه ففعلوا. وبعد نصف ساعة دخل العنصر نفسه وازال الاكياس وبقايا الطعام وقام بتنظيف الطاولة التي اكلوا عليها ثم رجعوا الى اماكنهم امام منضدة العقيد. وما ان جلسوا على الكراسي حتى دخل عنصر آخر وقال،
عنصر : سيدي لقد القينا القبض على فالح السوداني الملقب بابو سليمان. اوقف سيارته التي ارتكب بها الجريمة وكان يهم بدخول بيته حين امسكنا به.
العقيد : احضره الى هنا على الفور.
خرج العنصر واحضر معه ابو سليمان وهو مكبل بالاغلال فدخلا مكتب العقيد. وفورما شاهد سوسن جالسة بمكتب الضابط صار يبكي ويقول،
ابو سليمان : انا آسف يا سوسن لم اقصد ان ادهس امك. كنت انوي ان اكسر ساقها فقط لكنها ماتت. انه ذنب ذلك الحقير جميل، صديق ابوكِ هو الذي حرضني كي اقف بسيارتي خارج بيته واترصد هناك لاقوم بدهس امكِ بسيارتي فور خروجها من البيت.
كان وقع هذه الكلمات مزلزلاً على سوسن فاصدرت صرخة مدوية تشبه صفارة الانذار دون ان تعي على نفسها وصارت تبكي ثم وقفت وذهبت نحو ابو سليمان وبوجه مغطى بالدموع قالت،
سوسن : بالبداية رميتنا بالشارع ودمرت حياتنا ثم قتلت امي ايها الكلب الحقير السافل. ما انت؟ ومن اي طينة معجون؟ انت كلب شرير، لعنك الله ولعن جميع افراد عائلتك يا متخلف.
ابو سليمان : والله، لم اكن ارغب باخراجكم من البيت لكن جميل هو الذي ضغط عليّ واعطاني 1000 دينار وطلب مني ان اطردكم من المشتمل وقال ان ذلك لمصلحتكم.
هنا نفذ صبر العقيد فقال،
العقيد : جميل، جميل، جميل... الآن اكتملت الصورة، يبدو ان هذا هو الرأس المدبر لكل المصائب وانا لا استبعد ان يكون هو من تسبب بقتل المرحوم عبد الستار والد سوسن، لان الطبيب الذي اجرى عليه عملية القسطرة، هو نفسه الدكتور قصي الابن البار والبطل المقدام هذا ما يقوله التقرير الذي امامي من المشفى. لدينا جريمة عائلية متكاملة وكلها تصب بمحاولة انقاذ والدة قصي زوجة جميل.
سوسن : يا الهي، الآن فهمت اللعبة، طلب من ابنه قصي كي يقتل ابي بغرفة العمليات ثم طلب من ابو سليمان كي يرمينا بالشارع حتى يأخذنا عنده ببيته، بعدها امر خادمه المطيع ابو سليمان كي يدهس امي ويقتلها كي لا تحذرني وجاء بعدها الى مدرستي ليأخذني حتى يستخرجوا قلبي ويعطيه لتلك العجوز الشمطاء. ونحن كنا نعتقد انه الحمل الوديع، الملاك الذي ارسله الله الينا كي يساعدنا ويقف الى جانبنا بمحنتنا. كم كنا ساذجتين. آه يا امي الحبيبة. لم تجف دمعتنا بعد على رحيل ابي وها انت اليوم ترحلين ضحية القتلة المجرمين. كيف ساتحمل فراقك يا امي ومن الذي سيحميني بعدكِ؟
العقيد : لا عليك يا ابنتي سوسن، سوف ينالون عقابهم جميعاً. وسوف نعثر على جميل فهو هارب من العدالة الآن. سنعمم صورته على جميع الدوريات والمخافر ونقاط الحدود بجميع المحافظات. انا اعتقد ان من الافضل الآن هو ان تذهبي للبيت كي ترتاحي قليلاً من هذه الاحداث المؤلمة. هل مازلت تحتفظين بمفتاح بيت جميل؟
اومأت برأسها وهي تمسح دموعها وتجفف انفها بمنديل ورقي قالت،
سوسن : اجل يا حضرة الضابط انه بجيبي.
العقيد : إذاً سابعثك مع احد العناصر بسيارة رسمية كي يقلك الى هناك. وسوف يقف امام البيت ليحرسك.
سوسن : شكراً لك يا سيادة العقيد.
نادى العقيد على احد عناصره وتكلم معه بصوت خافت قائلاً،
العقيد : اسمع يا محمد علي، خذ الآنسة سوسن الى حي الحرية الثالث وادخل البيت قبلها لتتأكد من خلوه من الخطر ثم اريدك ان تبقى خارج باب البيت لتحرسه. لقد اخترتك انت بالذات لانك طويل القامة وقوي البنية وسوف لن يجرؤ احد على التقرب من البيت. لا اريد ذبابة واحدة تمر بداخل ذلك البيت.
خرجت سوسن مع العريف محمد علي ليوصلها الى بيت جميل فاخرجت المفتاح من جيبها وفتحت الباب. طلب منها الشرطي ان تنتظر بالخارج بينما يدخل هو ليتأكد من خلو البيت. وبعد قليل عاد وقال لها،
محمد علي : البيت آمن. تفضلي بالدخول يا آنسة. وانا ساقف هنا امام الباب لاحرسك.
دخلت سوسن الدار من الباب الرئيسي واحكمت اغلاقه خلفها بالمفتاح. توجهت مباشرة الى غرفتها في الطابق الارضي وجلست على سريرها وهي تنظر الى سرير والدتها العريض وتبكي بكاءاً مراً ثم نامت على السرير دون خلع ملابسها. ولما حل الليل استيقظت من غفوتها واشعلت المصباح الكهربائي الى جانب سرير والدتها كي تنير الغرفة المظلمة بعدها وقفت وغيرت ملابسها لتأخذ حماماً ساخناً. حملت معها بدلة نوم وبعض الاغراض التي ستحتاجها وتوجهت بها الى الحمام في الطابق العلوي فدخلت ولم توصد الباب ورائها علماً منها بان البيت خالي وانها الوحيدة بذلك البيت وليس هناك داعي لاحكامه. وقفت تحت الدوش لتفتح الماء الساخن كي يجري على جسدها الواهن فيغسل آلامها واحزانها على والدتها فتختلط دموعها بقطرات الماء الجارية. بعدها بدأت تدعك الليفة فتملأها برغوة الصابون وتدعك بها جلدها لتزيل عنه حزن الكارثة التي حلت بها فاصفت يتيمة الابوين ووحيدة بهذه الدنيا. لكن... ومن دون ان تشعر فتح جميل باب البيت الرئيسي وتسلل الى الداخل. توجه مباشرة الى غرفة سوسن بالطابق الارضي ونظر هناك ليجد ملابس سوسن ملقاة على السرير فتأكد من انها موجودة بداخل البيت. سمع صوت خرير الماء يصله من الطابق العلوي فصعد السلم وسار ببطئ شديد نحو الحمام وكل خطوة يخطوها كان يسمع بكاء سوسن المرير ونحيبها. فتح الباب ونظر الى سوسن التي كانت مولية ظهرها اليه وهي عارية تماماً دون ان تحس بدخوله. تقدم منها وامسك بخصرها المبتل وقال وسط صرخاتها المدوية التي كانت اشبه بصفارة الانذار،
جميل : ها قد أمسكت بك ايتها العاهر الملعونة. اليوم خرّبتِ علي كل خططي وهدمت حياتي بحماقتك وفضولك وتسببت بموت زوجتي. اليوم سالقنك درساً لن تنسيه ابداً خلال حياتك البائسة. سوف احولك اليوم من فتاة الى امرأة كي تظلي تتذكرينني طوال عمرك القذر.
سحبها اليه فتزحلقت وسقطت على الارض. لكنها لم تتوقف عن الصراخ المدوي والاستغاثة الا ان احداً لم يسمعها ليستجيب فيغيثها. كلما حاولت ان تفلت من قبضته كان يمسك بها من جديد ويسحبها اليه بيديه القويتين فتنزلق على الارض بجسدها المبتل. ضربها ضربة قوية على رأسها بقبضة يده ليرتطم رأسها بالارض فتفقد وعيها وهي ملقاة على ظهرها. انتصب على قدميه وحملها من على الارض ثم نزل بها السلم يدمدم "اكلك منين يا بطا اكلك منين، ديفراولتين في شفايفك حلوين حلوين" دخل الغرفة وقال، "ساتمتع بك اليوم على سرير امك. سوف تفرح نزيهة بقبرها وهي تنظر اليك من هناك لانك ستصبحين امرأة كاملة". وقف يبحلق بجسدها العاري ويتلذذ بالنظر الى ثدييها الممتلئتين وساقيها المبتلتين بينما راح يخلع ملابسه ببطئ شديد حتى اصبح عاريٍ تماماً. قام بسحب بدنها الى حافة السرير ثم استلقى الى جانبها وراح يقبلها وهو يقول، "كنتُ دائماً اتشوق لمضاجعك منذ زمن بعيد. واليوم ستعوضيني عن موت زوجتي التي رحلت بسببك".
وقبل ان يهم بها بدأت تستعيد وعيها تدريجياً. نظرت حولها وتفحصت السرير والسجادة وباقي اجزاء الغرفة ثم رأت وجهه القبيح وهو يُقبِلُ بشفتيه نحوها. فادركت ما يدور حولها لتطلق صرخة عالية مدوية جعلته يتراجع الى الوراء على اثر الصرخة ثم عاد يدعك نهديها وهو يقهقه بخبث كبير ويقول،
جميل : اصرخي ما شئتِ يا حلوتي فاليوم لن ينجيك احد مني. اليوم انتِ لي وانا لكِ. سوف اعلمك درساً في الاخلاق على طريقتي الخاصة لأنني المربي وانت تلميذتي هل نسيت ذلك؟ عمك جميل سيعطيك درساً بمادة الاحياء.
امسك بعضوه الذكري المنتصب وصار يلوح به كما لو كان خنجراً مسلولاً ثم تقرب منها ليسرق برائتها. صارت سوسن تنظر حولها وتتفحص المكان تبحث عن خنجر او عصاة فلم تجد شيئاً سوى المصباح الكهربائي الذي كان الى جانب السرير.
امسكت بذراع المصباح الطويل وضربته بقوة شديدة ليرتطم المصباح برأس جميل وينكسر زجاجه فينطفئ نوره فرجع جميل الى الوراء ومسك جبينه الذي صار ينزف. ومن خلال ضوء القمر الداخل من الشباك نظرت الى الاسلاك المتدلية من المصباح المكسور ثم قالت،
سوسن : ارني كيف ستصمد امام هذا الجحيم ايها الشيطان الرجيم.
وجهت الاسلاك المتدلية من المصباح فلامست بها ذكر جميل ليصاب بصعقة كهربائية جعلت جسده يرتعش كما يرتعش سعف النخيل وسط عصف الرياح الهوجاء. بقيت ممسكة بعمود المصباح حتى رأت جميل يتيبس ويستلقي على ظهره الى جانبها فوق السرير ثم يسقط منه الى الارض وقد تحول الى جثة هامدة. وقفت وهي ما تزال تبكي وتمسح دموعها. ارتدت بدلة نوم اخرجتها من الدولاب كي تستر عورتها ثم ذهبت نحو الهاتف وطلبت شرطة النجدة فاخبرتهم بما حدث. طلب منها الشرطي ان تنتظر هناك دون ان تبرح مكانها ودون ان تلمس اي شيء بالغرفة. وما هي الا ربع ساعة ودخلت الشرطة الى بيت جميل وصاروا يقيّمون الامر مع فريق الطب الجنائي فتبينوا ان الامر مطابقٌ تماماً لما اخبرتهم به سوسن وتوصلوا الى انها عملية دفاع عن النفس لا تقبل الشك. اخبروها كذلك ان الشرطي محمد علي الذي كان واقفاً يحرس الدار قد عُثِرَ عليه مقتولاً في الخارج حين تلقى ضربة شديدة بقضيب حديدي على رأسه لتنكسر جمجمته ويفارق الحياة على الفور. توصلوا الى ان جميل هو من ضربه كي يتمكن من دخول المنزل.
<<<<<<<<<<
بعد مرور عشرة اعوام على تلك الحادثة ذهب شدراك الى عيادة الدكتورة سوسن ومعه امه كي يعالجها. اقتادتهما الممرضة فدخلا غرفة العيادة سوية. رأى شدراك الدكتورة سوسن تتحدث بالهاتف وتقول، "حسناً حبيبي، ساعود الى البيت بعد ان انتهي من آخر مراجع بالعيادة. اعطي له رضاعة الحليب ودعه ينام ولا تنسى ان تخرج الغازات من بطنه".
ارجعت سوسن سماعة الهاتف الى مكانها ثم رفعت رأسها من على منضدتها فتعرفت على شدراك على الفور لتقف من مجلسها وتبتسم ابتسامة عريضة صادقة وترحب به ترحيباً حاراً ثم راحت تجري الفحص على امه التي كانت تعاني من الم شديد بمعدتها. وبعد ان اكملت الفحص ووصفت لها العلاج سألها،
شدراك : كم تأمرين يا دكتورة؟
ابتسمت بوجهه وقالت،
سوسن : وهل يعقل ذلك؟ انت السبب في انقاذ حياتي وانت السبب في وجودي بهذه العيادة. ولعلمك فقط فالخالة جانيت هي بمنزلة المرحومة امي كما هي امك. هيا اخرج من هنا الآن ولا تنسى ان تزورني ثانية فانت اصبحت الاخ الذي لم تلده امي. ولا تجعلني اشتاق اليك كثيراً.
... تمت ...