"إرفعوا السیوف عن أعناق المتقاعدين في الإقليم ، فقد بذلوا حياتهم للوطن"
د.شورش حسن
"إرفعوا السیوف عن أعناق المتقاعدين في الإقليم ، فقد بذلوا حياتهم للوطن"
لقد صدر قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 وقررت في المادة (42)منه تاريخ تنفيذه باثررجعي منذ تاريخ ١/١/ ٢٠١٤ وبموجب المادة (40) منه تم الغاء قانون التقاعد الموحد رقم ( 27 ) لسنة 2006 المعدّل. وبما ان قانون المنظم لحالة المتقاعدين ومؤسستهم كما هو معروف يتعلق بالمسائل المالية التي تدخل ضمن الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية، وليس للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بالإقليم الاجتهاد التعسفي في هذه المسائل، بل عليها الالتزام الكامل بها وذلك بتنفيذ مواد وفقرات هذا القانون. ولكن للأسف إنَّ إقليم كوردستان لم يلتزم بتنفيذ هذا القانون الجديد منذ نفاذه المذكور وإلى ساعة كتابة هذه الأسطر، وإنَّه لمصلحته الخاصة ينفذ قانون التقاعد الموحد رقم ( 27 ) لسنة 2006 الملغى كما ذكرنا، منتهكا بذلك نصوصاً من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ ، ومن هذه النصوص:
1- المادة(110/ثالثا):
(تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الآتية:......ثالثا- رسم السياسة المالية، والكمركية، وإصدار العملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة، ورسم السياسة النقدية وإنشاء البنك المركزي، وإدارته).
2- المادة (121/أولا وثانيا):
( أولا- لسلطات الأقاليم، الحق في ممارسة السطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقاً لأحكام هذه الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية).
ثانيا - يحق لسلطة الإقليم، تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم، في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم، بخصوص مسألة لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية).
3- المادة (130):
(تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم تلغ أو تعدل، وفقاً لأحكام هذا الدستور).
4- المادة (14) :
(العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي الاقتصادي أوالاجتماعي.)
5- بالإضافة الى بعض المواد الدستورية الأخرى الواردة ضمن باب الحقوق والحريات التي تكفل تكافوء الفرص وحماية الأسرة والشيخوخة.
ونظرا للظلم والخسارة المادية والمعنوية التي لحق بشريحة كبيرة من متقاعدي إقليم كوردستان نتيجة إصرار حكومتها على الاستمرار على تطبيق القانون الملغي وعدم تنفيذها للقانون الجديد على هذه الشريحة المضحيّة أسوة بنظرائهم وأقرانهم في الحكومة الاتحادية، فقد لجأ مجموعة منهم إلى رفع دعوى لدى المحكمة الاتحادية العليا ضد رئيس وزراء إقليم كوردستان ووزير المالية والاقتصاد في حكومة إقليم كوردستان، مطالبين من المحكمة إصدار قراره البات بإلزام حكومة الإقليم تطبيق قانون التقاعد الموحد الجديد رقم(9) لسنة 2014 للمتقاعدين بدلا من قانون التقاعد الموحد القديم رقم ( 27 ) لسنة 2006 الملغى، وقد بينت المحكمة في حيثيات قرارها لهذه الدعوى المسجل ذي الرقم 212/اتحادية/2022 الصادر في 23/11/2022 بأن أستمرار حكومة الإقليم على تطبيق قانون التقاعد الموحد الملغي هذا مخالفٌ لتلك النصوص الدستورية المذكورة وغيرها، ولذلك سارعت المحكمة الاتحادية باصدار الحكم بعدم صحة تطبيق قانون التقاعد الموحد الملغى من قبل حكومة إقليم كوردستان وإلزامها بتطبيق قانون التقاعد الموحد المرقم(9) لسنة 2014 المعدل.
لكن حكومة الإقليم كدأبها كما لم تلتزم بكل هذه النصوص من الدستور بخصوص هذا الموضوع سابقا، بل ضربتها بعرض الحائط ، فأنها لم تلتزم أيضا بتنفيذ منطوق قرار المحكمة الاتحادية المذكورة على الرغم من مضي أكثر من ثمانية أشهر على صدوره، منتهكاً ومخترقا بذلك المادة (94) من الدستور التي تنص على ان (قرارات المحكمة الأتحادية باتة وملزمة للسلطات كافة).
فيا ترى هل حكومة الإقليم حكومة خارج دائرة السلطات المقررة بالدستور أم هي حكومة لاتأبه بالدستور ولا تلتزم بموادها جملة وتفصيلاً ، وبالأحرى نسأل: أهي فوق المنظومة الفدرالية المقررة بالدستور؟ إذنْ ماًدور الحكومة الاتحادية وسلطاتها لاجبار حكومة الإقليم على تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية ؟ تلك المحكمة التي تعدُّ بموجب الدستور الضمانة الأساسية لحماية احترام سمو الدستور الفدرالي وتطبيقه على الكافة، وكذلك الملجأ الوحيدً الأوحد لحماية الحقوق والحريات المقررة في الدستور عند اي اختراق او انتهاك من السلطات الفدرالية أو الإقليمية.
ففي خضمّ هذا الوضع الناتج عن غياب سيادة القانون وعدم وجود قضاء مستقل وفعال لمحاسبة السلطات عند خرقهم للدستور والقانون في هذه الدولة، يكون الخاسر شريحة واسعة من المواطنين ومنهم المتقاعدون الذين امضوا عقودا من الزمن في عمرهم وعرق جبينهم لخدمة الوطن، فهل من المنطق والمعقول أنه ضمن كل هذه السلطات الموجودة المسماة بالفدرالية والديمقراطية القائمة على أساس حماية حقوق الأنسان وحرياتهم ان لانجد هيئة أوسلطة تسعف حماية هذه الشريحة لضمان حقوقهم دفعا للاختراق ؟! فهل هذه هي مؤسساتكم القائمة على الإرادة الشعبية الحرة ؟ وتصرفون المليارات الدولارات حين تعيدون الكرّة للعمليات الانتخابية الزائفة بين فينة وأخرى، بينما امام أعينكم ومسامعكم ترون وتسمعون جهارا نهارا بان ارادة الشعب تنتهك وتداسُ، بل ان نصوص الدستور وقرارات محكمتكم العليا ضربت بها عرض الحائط، وانتم لا تتحركون ساكنا، ويبدو انكم تغضون النظر عن هذا الانتهاك الصارخ، لا بل انتم موافقون ومناصرون له تغفلون حقوق المتقاعدين، والّا بماذا يفسر سكوتكم مقابل انتهاك الدستور وعدم احترام قرارات المحكمة الاتحادية، الأمر الذي نتج عنه الوضع المزري للحالة المعاشية للمتقاعدين في الإقليم، نتتيجة الفرق الكبير في مستحقاتهم المالية مقارنة بأقرانهم في ظل الحكومة الاتحادية مخالفا للمادة 14 من الدستور، اذ يتراوح الفرق بين (1000000) مليون دينار أو أكثر، ناهيك عن الحد الأدنى المحدد للراتب التقاعدي في الإقليم ب (220000) مائتين وعشرين الف دينار بينما في المركز 500 لا يقل هذا الحد عن خمسمائة الف دينار ؟!
فيا أيها القائمون على امر هذا البلد ألم يحن الوقت لتنهضوا بمسؤولياتكم الدستورية أزاء هذه الشريحة الواسعة من المجتمع العراقي كما عاهدتم بذلك عند أداءكم اليمين الدستوري، وذلك باعادة النظر بحقوقهم القانونية وفق المباديء المقررة بالدستور، فهل هم مواطنون لدولة غير دولة العراق؟ أليس الإقليم وحدة سياسية في إطار العراق الفدرالي؟ فإلى متى السكوت والقبول بكل هذه الانتهاكات المتعمدة واللامبالاة بحياة المواطنين والأستمرار على سياسة التمييز بينهم حسب خضوعهم لسطة الأقليم أو المركز من حيث حصولهم وتمتعهم بحقوقهم المالية المشروعة ؟!