٦١عامًا على تأسيس تلفزيون العراق
ايلاف/عبد الجبار العتابي من بغداد: على الرغم من تعدد القنوات التلفزيونية الفضائية العراقية الا أن العراقيين ما زالوا يستذكرون تلفزيون بغداد بلونيه الابيض والاسود، ويشتاقون الى ما كان يقدمه من برامج واعمال مختلفة، ويتباهون انه الاقدم بين التلفزيونات العربية، وهو أول بث تلفزيوني في الشرق الأوسط وأول تلفزيون ناطق باللغة العربية في العالم، وان كان قد شاخ قبل اوانه لا سيما في مرحلة التسعينيات التي جعلت منه هامشيًا.
تمر، اليوم الثاني من شهر مايو، الذكرى 61 لتأسيس التلفزيون العراقي، التي تحمل معها ألواناً من الذكريات والحنين، لاسيما ان الاسرة العراقية كانت ترتبط ارتباطاً وثيقاً وتستعد لساعة افتتاحه وتحتفل بساعات بثه القليلة وتستفيد من كل ما يعرضه، بل انها كانت تحفظ اسماء الممثلين والبرامج ومقدمي ومقدمات البرامج والمذيعين والمذيعات، ويسمون تلك الايام البعيدة من اعوام الخمسينيات والستينيات والسبعينيات بـ (سنوات الخير أو ايام الزمن الجميل) بل انهم إذا ما شاهدوا مسلسلاً او صورًا لمذيعين او مذيعات قالوا هذا الكلام لانهم يعتقدون ان الحياة كانت اسهل واكثر تنظيمًا وان التلفزيون أداة لبث الوعي.
والظريف ان بعض الذي التقيتهم وسألتهم عن تلفزيون بغداد لديهم المعلومات عنه مثل (تأسس التلفزيون العراقي في العام 1956 عندما عرضت شركة (باي) منظومة تلفزيونية متكاملة في معرض لها أقامته في بغداد، وقد أعجب ملك العراق الشاب آنذاك فيصل الثاني بتلك المنظومة وقرر شراءها ليكون التلفزيون العراقي من أقدم التلفزيونات في الشرق الأوسط والأول في العالم العربي، وقام الملك ومن معه من كبار المسؤولين بافتتاح المحطة في منطقة الصالحية ببغداد، وكانت عبارة عن قاعة (بنكلة)، وهو ستوديو التلفزيون الوحيد، لا تتجاوز مساحته الـ150 مترًا مربعًا)، ويسرح الذين يستذكرون ايام تلفزيون بغداد في خيالاتهم بابتسامات عريضة وهم يتحدثون عن تمثيليات اضحكتهم يوم كان الضحك نابعًا من القلب، وعن ممثلين رسخت صورهم واسماؤهم في الذاكرة.
ويبدو أن من التقتهم إيلاف" يتحدثون عن كامل الدباغ ومؤيد البدري وخيرية حبيب وابتسام عبدالله ومسابقة وتحقيق وسعاد عزت و(شايف خير) فخري الزبيدي و(تحت موس الحلاق) سليم البصري وحمودي الحارثي وسهام السبتي وخليل الرفاعي ورشدي عبد الصاحب وغازي فيصل ومقداد مراد وعمانوئيل رسام وخالد المحارب ورشيد شاكر ياسين والعشرات غيرهم.
كان ممتعًا اكثر
يقول سلمان عباس من مواليد 1957: "تلفزيون بغداد اكبر مني بسنة واحدة ولكنني فطنت عليه في الستينيات وكنت اشاهد اهلي يذهبون الى جيراننا الذين يملكون تلفزيوناً ويسهرون عندهم يوم كانت السهرة الى الساعة العشرة او الحادية عشرة".
واضاف: "كنت احب مشاهدة افلام كارتون فقط، ولكنني اضطر الى البقاء مع اهلي في بيت الجيران لانني اخاف ان ابقى وحدي في البيت وكنت اضحك مع ضحكهم، وفهمت فيما بعد انهم كانوا يشاهدون تمثيليات كوميدية".
ومضى قائلا: برأيي ان تلفزيون العراق كان ممتعاً جداً وافضل من كل القنوات الفضائية الحالية التي لا تفهم منها شيئًا غير الصراخ والمسلسلات التركية والبرامج التي لا تخدم المواطن، بينما في السابق تمثيلية واحدة تجعل الناس يستفيدون منها كثيراً.
يوم التلفزيون
المخرج التلفزيوني الدكتور صالح الصحن يقول: في الثاني من مايو عام 1956 انطلق تلفزيون الدولة العراقية في ظل سبق يكاد يقترب من الريادة في عموم المنطقة العربية، وفِي ظروف خاصة جعلت من تأثيره ودوره كبيرًا في حياة عامة المجتمع، بعد ان بث البرامج والتمثيليات المباشرة وعلى الهواء وبقصص ومواضيع ممتعة ومعرفياً وترفيهياً واخبارياً، واستمر عبر المتغيرات السياسية والاجتماعية المتعاقبة أداة ثقافية فنية اعلامية حكومية منسجمة مع السلطات بقدر يقترب ويبتعد احيانًا من ذائقة الجمهور ومتطلبات الرسالة الإعلامية.
يضيف: "يكمن سر النجاح والتألق والريادة الذي اتسم به تلفزيون بغداد أو تلفزيون العراق بالمستوى المهني والحرفي الذي اشتهر به كمؤسسة ثقافية فنية اعلامية لما تمتلك من خبرات وكوادر أصبحت محطة لتدريب وتأهيل الكوادر العربية في بغداد وبما تحقق لتأسيس مدرسة مهنية خاصة ومتفردة وخلق اعلام وكوادر التلفزيون من مذيعات ومذيعين ومصورين ومخرجين وكتّاب وفنيين محترفين يشار لهم بالبنان، والذين دخلوا سجل الوقائع الإبداعية الاحترافية ويمكن أيضا الإشارة الى الكثير من هذه الكوادر المتمرسة التي هي الان تشغل في مواقع متقدمة في مؤسسات معروفة محلية وعربية واجنبية".
وتابع: "في هذه المناسبة نسجل اعلى معاني الإعجاب والتقدير والاحترام لهذا الصرح الفني الثقافي الكبير الذي ترك خطاه وتأثيراته على مختلف المؤسسات والقنوات حاملاً النكهة العراقية في الأداء والخطاب الجمالي، سلاماً كبيرًا لكل رواد ومبدعي تلفزيون العراق نساءً ورجالاً لما اتسموا به من مهنية عالية وأداء جمالي اخاذ اثبت القدرة الابداعية العالية، وكذلك بما يسعدنا ان نجدد المحبة والاعتزاز بكل الرواد والكوادر والعاملين في كل تلفزيونات البلاد الفاعلة والهادفة الى خلق السمة العراقية المميزة في المنجز الإبداعي برامجيًا ودرامية واعلامياً وبما يحقق المستوى الأمثل للذائقة والرسالة الانسانية النبيلة وكل عام وتلفزيونات البلاد بألف الف تألق وبهاء".
لنا الفخر
من جهتها، تقول المذيعة الرائدة هالة عبد القادر: "لنا الفخر بأن تلفزيون العراق كان السبّاق والاول بين الدول العربية في بثه ومهنيته وبرامجه وكوادره الحرفية وانتاجه الذي سبق واشتهر بها في جميع الدول العربية".
تضيف: "تحياتي للكبار الذين ساهموا بقدراتهم الرائعة وجهدهم المضني وخصوصًا ان البدء كان على الهواء مباشرة، الاحياء منهم وللذين غادرونا الرحمة والامتنان ولي الشرف اني كنت من ذلك الرعيل الاول والذكريات الجميلة التي لاتزال بالقلب والذاكرة".
عصر الفضائيات "كارثة"
يقول الكاتب والاكاديمي في كلية الفنون الجميلة محمود موسى: "تلفزيون العراق نشأ قبل عصر الفضائيات، فقد كان مصدر قوة للفرد ومصدر لتعميق روح المواطنة والمدنية وبغض النظر عن ايديولوجيا السلطة آنذاك، كما كانت البرامج تساهم في بناء المجتمع ثقافيًا وذلك من خلال تنوعها الثقافي والعلمي لأنها كانت تحترم عقل المتلقي – المواطن وكذلك تحترم وقته".
واضاف: "اما الفضائيات العراقية الحالية فقد أصبحت خطراً يهدد العراق وحدةً وبقاءً لأن معظمها ذات توجه طائفي بغيض وبعضها لها أجندات سياسية، فضائيات اليوم أخطر ما فيها انها تقوم بنقل ثقافة الشارع الى البيت، وبالتالي سيتحول البيت الى شارع، وهكذا تستمر دورة الانحدار الثقافي والمجتمعي، فالانسان بطبيعته يكن احتراماً للتلفزيون وعندما يتحول التلفزيون الى مقطع عرضي للشارع وللرصيف فهنا تبدأ الكارثة".
وتابع: "أتذكر في مطلع الثمانينيات ان التلفزيون قد عرض تمثيلية من تأليف الراحل يوسف العاني تضمنت هذه التمثيلية في حوارها كلمة (مصطورة) وسرعان ما هاجمته الصحافة بدعوى ان المفردة سوقية لا تتلاءم مع اخلاقيات العائلة العراقية، وهنا قام الفنان يوسف العاني بالرد عبر الصحافة مبرئاً نفسه من هذه (التهمة) اذ أكد ان الكلمة سمعت خطأ، والصحيح انها (مصدورة) أي مصابة بمرض في الصدر، ولنا أن نقارن بين زمنين.
وقائع تاريخية
افتتحت محطة تلفزيون بغداد بشكل رسمي في ذكرى عيد ميلاد الملك فيصل الثاني في يوم 2 مارس 1956 وقام الملك بإزاحة الستار عن مدخلها، يرافقه نوري السعيد رئيس الوزراء وجميل المدفعي رئيس مجلس الاعيان وعبد الوهاب مرجان رئيس مجلس النواب، وفخري الفخري امين العاصمة ورؤساء الوزارات السابقة ورؤساء الهيئات الدبلوماسية العربية والاجنبية والصحافيون.
وقام خليـل ابراهيـم مديـر التوجيه والاذاعة بإلقاء كلمة الافتتاح التي هنأ فيها الملك وذكر، أن كادراً عراقياً يديرها يتألف من ثلاثة مهندسين يساعدهم احد عشر طالباً من مدرسة الصناعة وهؤلاء درسوا وتدربوا في بريطانيا على تشغيل المحطة، وطلب دعم الملك المادي لتطويرها.
وبعد ان تفقدها الملك القى كلمة قصيرة اشار فيها الى اهميتها في تاريخ العراق الحديث.
بدأ البث فيه لساعتين تقدم خلالها الكثير من الأغاني، والتمثيليات بشكل مباشر، حتى بدأ البث بالتطور والزيادة، وقد كانت الصحف اليومية تتولى نشر برمجة التلفزيون بشكل يومي بالاضافة الى اذاعته عبر محطة راديو بغداد، اما بالنسبة لبرامج التلفزيون حسب ما ورد في منهاج يوم الاحتفال بافتتاح المحطة فقد كانت تتألف من ( 7 ) مواد هي:
الدقيقة الساعة المادة
15 7 حفلة افتتاح محطة التلفزيون برعاية الملك
30 8 فيلم اخباري عن العراق – العاب رياضية
ــ 9 حفلة افتتاح مشروع الثرثار
45 9 فيلم عن المعرض التجاري البريطاني
ــ 10 نشرة الاخبار
30 10 حفلة غنائية موسيقية تشترك فيها عفيفة اسكندر مع ناظم الغزالي
الكورس – فرقة الاذاعة الموسيقية
ــ 11 السلام الملكي –ختام
كانت طاقة البث عند افتتاح المحطة ½ كيلو واط، تم تطويرها الى (5) كيلو واط، ولم تكن الاجهزة والمعدات حديثة الى حد كبير وفيها (9) قنوات، جهزت شركة باي الحكومة العراقية بسيارة بث خارجي مع لاقطة التلفزيون الهوائية ونصبت عدداً من اجهزة التلفزيون في بعض محلات بغداد لكي تيسر للمواطنين مشاهدة البرامج.
وبلغ عدد اجهزة التلفزيون التي تـم بيعهــا عنـد الافتتـاح (120) جهـازاً ومصدرها بريطانيا، واستعانت الحكومة بأحد الخبراء الاميركيين، وهو (فانس هلك) ليقوم بتنظيم البرامج.
وبدأ اول إرسال لتلفزيون العراق في مايو عام 1956. واقتصر البث في بداية الأمر على بغداد وفي اواخر الستينات شمل البصرة والموصل وكركوك وفي العام 1976 بدأ وعلى نطاق ضيق أول إرسال ملون على القناتين (7 و9). وفي عام 1977 تم ربط محطات البث في أنحاء العراق بشبكة المايكرويف.
أول مدير لقناة (التلفزيون) العراقي هو عدنان أحمد راسم النعيمي، واحتل هذا المنصب بعد عودته من الولايات المتحدة الأميركية وحصوله على شهادة الدبلوم في السمعية والبصرية وماجستير في التربية الفنية من جامعة انديانا.