كاوه الحداد وروايات نوروز
[size=23]نوروز في ثقافة الاكراد مأثرة قومية يجسد شموخهم في وجه الظلم الذي ما زال يحوم حول حياتهم وتحدياً متجددا في وجه الظالمين ، ودعوة للالتقاء واللقاء ورمز لانتصار الحق على الباطل وبداية لعهد الخير والحرية والازدهار في ربوع المنطقة عبر القرون والأجيال ، تحول نوروز إلى كرنفال سنوي يجسد حب الاكراد للطبيعة وشوقهم إلى الحرية وحاجتهم للقاء الاصدقاء والأحبة والخلان على دفئ شمس آذار في الحادي والعشرين من كل عام.[/size]
عيد نوروز يصادف اليوم الجديد وأول يوم من السنة في التقويم الكردي الذي يبدأ بسبعمائة عام قبل الميلاد ، وهو اليوم الحادي والعشرين من آذار في التقويم الغربي ، يوم يتساوى فيه الليل مع النهار ويحتفل الشعب الكردي به منذ مئات السنين باعتباره عيداً قومياً وطنياً عيد قديم حيث نستطيع تعريفه بأن تاريخه ما قبل سبعمائة عام قبل الميلاد.
اعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 64 / 253 يوم 21 آذار/ يوما دوليا للنوروز ، بناء على مبادرة قدمتها في عام 2010 عدة بلدان (أذربيجان وأفغانستان وألبانيا وجمهورية إيران الإسلامية وتركمانستان وتركيا وجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان والهند) بغرض مشاركة هذا العيد مع بلدان العالم وشعوبه ، وعيد نوروز سُجل في عام 2009 على القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية بوصفه تقليد ثقافي تحتفل به الكثير من الشعوب ، هو مناسبة قديمة تحدد اليوم الأول من فصل الربيع وتجدد الطبيعة ، ويعزز هذا العيد قيم السلام والتضامن بين الأجيال وداخل الآسر بالإضافة إلى المصالحة وحسن الجوار ، وبالتالي المساهمة في التنوع الثقافي والصداقة بين الشعوب والمجتمعات.
قَسَم الاكراد اشهر السنة وفق تقسيمات الطبيعة والزراعة ، فالربيع يعني الخضرة ، والصيف يعني الهواء والماء ، والخريف تساقط وريقات الشجر ونضج الفواكه ، والشتاء البرد والمطر وتساقط الثلوج.
أسماء الأشهر الكردية :
1.نوروز:هو اليوم الأول في أول شهر كردي ، أي بداية العام الجديد.
2.گولان: نضوج البراعم ، وكثرة الورود الملونة.
3.جوزردان:كل ما يخضر في بداية الربيع يصفر في هذا الشهر.
4.بوشبه ر: تيبس الخضرة.
5.خرمانان: شهر حصاد القمح.
6.گلاويژ: يظهر في هذا الشهر نجمة كلاويژ.
7.ره ربر: تزدهر الحدائق.
8.گلاريزان: تتيبس أوراق الشجر.
9.سرماوز: يتغير الجو والهواء ويظهر البرد.
10.بفرانبار: في نهاية الشهر التاسع تتساقط الثلوج على المرتفعات في كردستان، لذلك ظهر هذا الشهر الذي يليه شهر باسم تساقط الثلوج.
11.ريبندان: تصبح الطرق غير سالكة بسبب تراكم الثلوج.
12.رشمي:هذا الشهر هو نهاية العام.
أصل كلمة نوروز من الأفستية وتتكون من nava يعني (جديد) وrəzaŋh أي (يوم) أو (ضوء الصباح) مما يعني يوم جديد (أو ضوء جديد) وهذه الكلمة لها نفس المعنى بالفارسية (نو=جديد + روز=يوم أي يوم جديد) . يُعتبر عيد النوروز من أقدم الأعياد التي يُحتفل بها ليومنا هذا ، ويتشارك إلى جانب الاكراد في الاحتفال الفرس (النيروز) والآذاريين وأفغانستان (الطاجيك) والعديد من الأعراق الأخرى ، ويقوم الاكراد بالاحتفال بعيد النوروز بين 18-21 آذار من كل عام بالخروج إلى الطبيعة والتجمّع وأحياء الفلكلور والرقصات الكردية والتزيين باللباس الكردي التقليدي من رجال ونساء كبار وصغار وتحضير الاطعمة التقليدية .
يرافق الاحتفال بعيد نوروز إشعال النار وإشعال الشموع على الشرفات وأسطح المنازل وفق الأسطورة التي تشير إلى ان اشعال النار كان رمزاً للانتصار والخلاص من الظلم الذي كان مصدره أحد الحكام المتجبرين تيمّنا بشعلة (كاوه الحداد البطل الاسطوري) الذي أشعل النار على أبراج قصر الملك الظالم ضحاك ابتهاجاً بالنصر لذلك تعتبر النار رمزاً لعيد النوروز.
نوروز حدث تاريخي كتبت حوله مئات القصص والقصائد والمقالات ، وتظل الأسطورة محيرة المؤرخون يأتون على ذكر شخص اسمه كاوه بطل كردي يقولون انه كان يعمل حداد ، تغلب على القوى الشريرة ، ما زال وجوده في ذهنية الناس كحقيقة ، نوروز رواية ملحمية وأسطورة كحدث تاريخي أو قصة رمزية لحدث سياسي واجتماعي عظيم وقع بالفعل ولكنها مبسطة على قدر وعي وإدراك الناس في غابر الأزمان بغية استيعابها .
قصة كاوه الحداد البطل الكردي وروايات نوروز :
إنّ النسخةَ الكرديةَ للنوروز هي أسطورةُ (كاوه) الحداد الذي تشبه قصته القصّةِ في أسطورة الشاهنامة ، تقُول بأنّه في قديم الزمان كان هناك ملكُ اشوري شريّرُ يسَمّى(الضحاك) ،كان هذا الملك ومملكته قد لُعِنا بسبب شرِّه ، حتى الشمس رَفضتْ الشروق وكان من المستحيلَ نَمُو أيّ غذاء ، الملك (الضحاك) كَانَ عِنْدَهُ لعنةُ إضافيةُ وهي امتلاك أفعيين رَبطتا بأكتافِه ، وعندما تكون الأفاعي جائعة كَانَ يشعر بألمِ عظيمِ ، والشيء الوحيد الذي يَرضي جوعَ الأفاعي كَانتْ أدمغةَ الأطفالِ ، لذا يقتل كُلّ يوم اثنان من أطفالِ القُرى المحليّةِ وتقدم أدمغتهم إلى الأفاعي.
(كاوه) الحدادَ كره الملكَ لأنه كان يقدم اطفاله وضحى بهم لأفاعي الملكَ ،عندما وصلته الدور ان يقدم طفلَته الأخيرَة ، جاءَ بخطة لإنقاذها بدلاً مِنْ أنْ يَضحّي ببنتِه ، ذبح (كاوه) خروفِ وأعطىَ دماغَ الخِروفَ إلى الملكِ ، لَمْ يُلاحظْ الاختلاف ولم ينتبه الملك على التغير ، سمع الاخرون عن خدعة (كاوه) عَمِلوا جميعاً نفس الشيء ، وأثناء الليل يُرسلونَ أطفالَهم إلى الجبالِ مَع (كاوه) الذين سَيَكُونونَ بأمان ، تجمع عدد كبير من الأطفال في الجبالِ و(كاوه) خَلق جيشاً مِنْ هم لإنْهاء عهدِ الملكِ الشريّرِ ، أصبحت اعدادهم بما فيه الكفاية ، نَزلوا مِنْ الجبالِ واقتحموا القلعةَ وأختار (كاوه) بنفسه الضربةَ القاتلةَ إلى الملكِ الشريّر(ِالضحاك) بعد الانتصار ولإيصال الأخبارِ إلى اناسِ بلاد ما بين النهرينِ بَنى مشعلا كبيرا أضاءَ السماءَ ونقل خبر مقتل الضحاك ، في الصباح بَدأَت الشمسُ بالشروق ثانيةً والأراضي الزراعية بَدأَت بالنَمُو مرةً أخرى ، هذه هي البِداية (ليوم جديد ) أَو نيروز (نوروز) كما في الاسطورة
الكرديةِ.
هناك روايات اخرى متداولة بين في أوساط الشعب الكردي .
الرواية الأولى: كان ملك الزمان الملك الضحاك ظالما متجبرا وكان قد ظهر على منكبيه نتوءان قبيحان يشبهان راس حنش(حيةٌ عظيمةٌ سَوْداء ليست من ذوات السموم) ، عجز أطباء الزمان عن استئصالها فاضطروا إلى دهن كل نتوء بمخ إنسان كل يوم مما أدى إلى ذبح شخصين كل يوم من بين الرعية ، ومع الزمن دب الرعب بين الناس فهجروا البلاد إلى الجبال والوديان ثم ثار فيهم (كاوه الحداد) واجتمع حوله الناس ، وثاروا على الملك الضحاك وكان هذا عيدا.
الرواية الثانية: إن ازدهاك أو زحلق قد قتل الملك (جمشيد) العادل وحل مكانه لكن الطبيعة عاقبته فابتلي بداء عجيب عجز عن شفائه الأطباء ، حتى تدخل الشيطان بان وصى بمداواة مكان المرض بمخي شابين كل يوم ، وهكذا حتى رئف كل من ارمائيل وكرمائيل الذين كانا مسئولين عن إحضار الأدمغة البشرية ودهن مكان الوجع بها فبدؤوا باستبدال الأدمغة البشرية بأدمغة النعاج وترك الشباب للهروب إلى الجبال وهنك تجمعوا وتكاثروا ليشكلوا فيما بعد بداية النسل الكردي إلى ظهور فريدون الذي قضى على زحلق وهنا يقارن اسم (كاوه) بِ ( فريدون) على أن كليهما وقع ضحية الملك فوالد فريدون وابن كاوه الحداد كانا من بين الذين قطعت رؤوسهم ، فيقومان بتحريض الناس وقيادتهم إلى الثورة على السلطان المتجبر (ازدهاك) ثم ربطه بالسلاسل وجره إلى جبل( دنيا وند) حيث مات ميتة بطيئة شنيعة ، ثم عاد الناس إلى عمران المدن وبدأت الحياة من جديد ، وان نوروز ما هو إلا اليوم الذي حمل فيه الجن الملك جمشيد إلى برج الحمل وقت حلول الشمس في أول يوم من السنة.
الرواية الثالثة: إن الملك الضحاك كان ذو طباع شاذة وكان يميل إلى الفسق والفجور حتى أصيب بمرض شاذ تأتيه على شكل نوبة فلا ينام ولا يهدا حتى يأمر بإحضار فتاة من بنات مملكته فيجامعها ثم يقتلها ليهدا من بعده ، فدب الذعر والخوف في إرجاء المملكة واضطر الكثير من الناس إلى ترك المدينة والفرار ببناتهم إلى الجبال ، وعندما اتى الدور على ابنة الحداد كاوه واسمها نوروز رفض الحداد ارسال ابنته للملك ،ثم لجئ إلى الدهاء والحيلة ارتدى لباس النساء ودخل على الملك الظالم وقتله بمطرقته ثم اشعل النيران معلنا الخلاص من الظالم وداعيا جموع الفارين إلى العودة.
الرواية الرابعة: المكان مدينة باشار في القرن الثامن عشر قبل الميلاد حيث مات الملك العادل (ياشار) وخلفه ابنه (بختك) الذي لم يكن نسلا صالحا بل كان مهووسا بالملك والجبروت ، فأصابه نوع من الجنون وصارت تتراءى له العفاريت والجن طوال الليل ، كان يخشى الانفراد ويأمر حاشيته بالسهر طوال الليل حتى ساءت حالته وانتشر خبره أن العفاريت تهاجم الملك ، تدخل كاهن معبد النار وكان داهية وخبيثا أراد الإيقاع بين الملك والرعية للاستيلاء على الحكم فعرض على الملك طريقته في العلاج وتتلخص طريقته في تحدي العفاريت بارتداء لباس العفاريت نفسها والخروج ليلا لاصطياد الشبان من ذوي الحرف والصنعة ( نجار ، حداد ، حائك ) وإخراج أدمغتهم وتقديمها للعفاريت ، وهكذا في كل يوم ليلا يخرج الكاهن والملك في صيدهما اليومي ، وفي كل ليلة يقتلان ضحية شاب جديد مقطوع الرأس يلقى بعد قتله في أزقة المدينة ، شاع سر الملك والكاهن بأن الملك يقتل الشبان وفي احدى الليالي هاجما دار الأخوين (نافدا ر)الحداد و (كهدار) الحائك ، اثناء هجومهم قتل كهدار ، وما كان لنافدار إلا أن يثار لأخيه ، فتمكن من حشد الناس وقد ساعده في ذلك صدقه وصنعته النادرة فشكلوا جيوشا شنوا الهجوم على قصر الملك
فقتلوه وكذلك قتل الكاهن ، ونصبت نافدار ملكا فأشعلت النيران للدفء والإنارة ثم سمي الملك ب (كاوه ) ! أو خوشناف .
الرواية الخامسة : يعتبر نوروز اليوم الأول من العام الشمسي ويوم التاسع من آذار حسب التقويم اليوناني انتفض الاكراد تحت راية كاوه الحداد ضد البادشاه ضحاك الذي ألقي في النار لأنه كان ظالما ، وبعد حرق البادشاه نصب على العرش ملك جديد باسم فريدون الذي عم في عهده الحرية والخير والازدهار.
الرواية السادسة : من المعروف أنه في الألف الأخيرة قبل الميلاد كانت بلاد الرافدين تحت سيطرة الآشوريين ، وكانت إمبراطوريتهم في أوجها مترامية الأطراف من بلاد الشام وحتى آرارات ، وعلى التخوم الشرقية والشمالية الشرقية كان قبائل الميديين ، وتخومها الجنوبية الأكاديون ، وكان الآشوريون يتسمون بوحشية في معاملة الخصم قساة على القبائل والشعوب المجاورة كسلخ جلود الناس وهم أحياء أو قطع رؤوس من نزل بهم العقاب حتى على مرأى من الأمهات ، و غدا السلطان الآشوري كابوساً جاثماً على صدور الناس والشعوب الخاضعة لسلطانهم وحتى المجاورين لبلادهم ، إذ كان للآشوريين حملات موسمية ضد الميديين في الشمال ينهبون ويحرقون ، وفي عام 612 قبل الميلاد تمكن الميديون في عهد الملك (كيخسارو) من عزل الآشوريين عن قبائل جنوب روسيا وتحالفوا مع الكلدانيين للقضاء على الآشوريين وضرب (نينوى) وفي ربيع ذلك العام واجه الميديون فيضانات نهر دجلة المعروفة في بداية فصل الربيع صوب أسوار المدينة فأصابها الغرق واخترقتها جيوش الميديين (آريانا) وقضوا على عرش الآشوريين ويقال أن ملكهم (شراكو) كان قد أحرق نفسه وأسرته وقصره لكي لا يقعوا أسرى بيد الميديين الذين أعلنوا سقوط (نينوى) يوم الحادي والعشرين من آذار 612 قبل الميلاد واحتفلوا بالنصر الذي كان كبيرا بقدر ما عانوه من ظلم كبير ، وتأسست على إثرها مملكة (ماد) أو((مادستان)) ويقال أن (مادستان) تأسست على أراضي (كردستان ) الحالية تقريباً وأن الميديين هم أجداد الاكراد .
و(نوروز) سواء كانت حقيقة أم خيال أدبي فإنه جاء تعبيراً عن متطلبات واقع معيشي لا زمان ولا مكان للحدث ، في كل الروايات ثمة مشتركات هامة وهي وجود حاكم ظالم وشعوب مقهورة وبروز بطل مغوار من بين صفوف الشعب يعتمد على الشجاعة والحكمة لينقل الناس إلى عهد جديد ويبدأ عهد الخير والأمان.
المصدر : بحوث ودراسات : حقائق حول عيد نوروز ، الدكتور مولود ابراهيم حسن .