ما الفرق بين حرامية السابق وحرامية الحاضر ؟!
ts هشام الهاشمي
ما الفرق بين حرامية السابق وحرامية الحاضر ؟!
سابقاً كان الحرامي يسمى الحايف , ومنه الفعل (يحوف) وهو مشتق من الحيافة أي العوز والفاقة، وفي بعض الاحيان تعني التحدي (المزامط)، و كانت دوافع الرجال لا أن يحوفوا ليلا بل في وضح النهار حتى وصل الامر بالزوجة ان تحرض زوجها على الحيافة في الليل لما تتضمنها تلك الحالة من رجولة (يدوس الليل). إن الحديث يطول عن قواعد الحيافة ومنها على سبيل المثال (ممنوع حيافة السادة من ذرية بني هاشم ) حيث كان السيد يرفع علم أخضر في مقدمة بيته أو على أعلى نقطة في داره ليكون معلوما للحواف ان هذه الدار تعود للساده .. (الان ولله الحمد تساوينا).
هناك قصة حقيقية نقلها لنا اهلنا بطلها احد الحواف ومفادها : ان عايد خرج من بيته ليحوف بعيدا عن مرابض عشيرته فتوقف يراقب بيتا منفردا يبتعد الى حد ما عن قرية تتالف من عشرة او اكثر من البيوت الطينية , قرر عايد ان يحوف ذلك البيت بعد ان اطمان الى انه لايشكل اي خطر عليه .. شد لثامه واقترب من البيت وكان يحتوي على حجرة واحدة ولا وجود لاي حيوان يحرس البيت.. استل خنجره واخذ يحفر في حائط الحجرة الطيني القريب من الارض ، و استمر الى ان احدث فتحة ثم وسعها بحيث يمكن لجسمه ان يمر من خلالها .. دخل الحجرة وكان فيها بصيص ضوء مصدره لمبة (بطل فيه نفط وفتيلة من الصوف تتدلى داخل البطل وتخترق تمرة الى الاعلى تشعل الفتيلة وتدوم نارها ما دام النفط موجوداً. وجال عايد بنظره في اطراف الحجرة فوجد امراة جالسة وبحضنها طفلها الرضيع .. لم يعرها اهتمامه بل وضع (بشته )على ارض الغرفة واخذ يجمع ما موجود في الغرفة (ابريق وطشت وقدر مخسف وبساط ولحاف واشياء اخرى) ثم ربط البشت من جهاته الاربعة وهم برفعه .. هنا تكلمت المراة مخاطبة طفلها الرضيع فقالت: يمه اسكت خل اشيّل (اساعد) خالك وأردلك. انتفض عايد وحملق بالارض وصفن ثم فتح البشت ونفض الاغراض وخرج من دون ان ينبس ببنت شفة.
مضت ايام وعاد الزوج لبيته فأخبرته زوجته بقصة الحايف ومن ثم نسوا القصة .. ومر اكثر من شهر بعد الحادث حتى طرق طارق بيت صاحبتنا المرأة أم الرضيع فخرج زوجها ووجد رجلا لا يعرفه ومعه اربعة اغنام فرحب بالضيف وادخله الى حجرته وقامت زوجته لعملها خارج الغرفة .. تبادل الرجلان اطراف الحديث وعرجا على التعارف فيما بينهما فقال الضيف انا قدمت من مكان بعيد لأزور اختي التي تسكن قريتكم! فقال صاحب الدار وصلت ان شاء الله وسأكون معينك بالوصول الى أختك , لكن من هي أختك ومن هو زوجها ؟ وهنا دخلت المراة .. فأشار الضيف بإصبعه الى زوجة الرجل وقال هذه هي اختي وانت زوجها .. استغرب الرجل وقال للضيف: عمي انت مشتبه هاي مرتي ولديها اخ واحد فقط اعرفه كما اعرف نفسي .. ابتسم الضيف وخاطب زوجة الرجل وقال: خويه اني خال ابنك هذا لو لا ؟ واشار الى الرضيع متسائلا اشلون نسيتي اخيك .. المراة توجهت الى زوجها وقالت له نعم هذا الذي سولفتلك عليه .. المهم اربعة رؤوس غنم سلمها لأخته وكل عيد ومناسبة يزور أخته وهو يحمل لها الصوغات واستمرت حالة الاخوة بينهما الى آخر العمر .
القصد من هذه القصة هي أن الرجولة والغيرة والمروئة والشهامة والعفة كانت صفات حتى حرامية ذلك الزمن الجميل. أما الآن فقد تغير أسم الحرامي من الحايف الى المختلس ، إذ، وحسب رواية الرئيس السابق لهيئة النزاهة ، فإن موظفاً كبيراً في الدولة العراقية سأل مرجعاً دينياً عما إذا كان يجوز له الإختلاس من المال العام الذي تحت يديه بحكم موقعه الوظيفي، فأجابه المرجع الديني بجواز ذلك (شرط أن يدفع حصة الخمس لمرجعه). إن إطلاق مثل هذه الفتوى من مرجع ديني يتبعه جمهور عريض تجعل من المال العام حلالاً سائباً وتوفر للموظف العمومي قناعة مطلقة بأن سرقة المال العام ليس بجريمة. وعلى هذا الأساس تم سرقة نحو (800) مليار من أموال العراق خلال الفترة من عام 2003 وحتى عام 2014 اشترك فيها معظم السياسيين المتنفذين في الحكم بما في ذلك رئيس الحكومة الذي أختلس الحصة الكبرى . ولم يفكر أحدهم بإعادة ولو جزء بسيط من هذه الأموال لأخوانهم وأخواتهم المساكين الذين عانوا الأمرين وأصبحوا يترحمون على أيام الحايف عايد . وبهذا ، يبقى السؤال يراودني وهو لنفترض أن عدد المختلسين كان (800) حرامي حصة كل واحد منهم مليار دولار ، ما الذي يفعله أحدهم بالمليار دولار حتى وأن استخدم قسم منها بدلاً من أوراق التواليت ؟!! المشكلة هي أزمة أخلاق وليس حاجة للمال . لقد تبدلت الأخلاق بشكل عام وبالأخص عند الحرامية، وهذا يعني أن الحرامي الذي كان سابقاً يطلق عليه لقب (الحايف ) ، أصبح لقبه الآن (الموظف الكبير ومرجعه ديني) . لا والأدهى من كل شي أن واحدهم كل سنة يروح يحج بيت الله !!!