المعركة المزدوجة ضد طهران
صحف عبرية
المواجهة بين إسرائيل وإيران دخلت أمس إلى فصل جديد يدمج سلسلة أبعاد: عسكرية واستخباراتية ودبلوماسية وإعلامية. مساء أمس كشف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو «الارشيف النووي الإيراني»، عشرات آلاف الوثائق السرية التي وصلت إلى أيدي إسرائيل بطرق سرية. قبل أقل من يوم من ذلك، في سوريا قُصفت جواً مواقع عسكرية إيرانية في هجوم نسب مرة أخرى لإسرائيل.
نتنياهو يدير هنا معركة من أجل الوصول إلى هدفين منفصلين، في الساحة الدولية يبدو أنه يريد إعطاء ترامب دفعة أخرى صغيرة قبيل الاعلان الأمريكي عن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وفي سوريا إسرائيل بدت مصممة أكثر من أي وقت آخر على منع التمركز العسكري الإيراني. توجد علاقة معينة بين القناتين. إسرائيل تقدر كما يبدو أن الضغط الذي يوجد فيه الإيرانيون قبيل اعلان ترامب، اضافة إلى الضائقة الاقتصادية والاحتجاج المتزايد في الداخل، ستصعب عليه الرد بقوة وبشكل فوري على عمليات القصف.
في الساعات التي انقضت بين الهجوم والمؤتمر الصحافي لرئيس الحكومة تولد لدى الجمهور خوف معين مدعوم بتقارير إخبارية مزيفة نشرت في تصريحات «واتس آب» وكأن الحرب مع إيران على وشك الاندلاع. هذا الخوف تبين أنه مبالغ فيه، في المساء كشف نتنياهو عن عرض السنة. يمكن الافتراض بأن عرض ملفات الارشيف الإيراني في بث مباشر ترك انطباعاً لا بأس به، على الاقل لدى عدد من المشاهدين الإسرائيليين في المؤتمر الصحافي. إلى جانب الانجاز الاستخباراتي المثير للانطباع فقد بقيت مسألة أهمية كشف هذه المعلومات. باختصار، إسرائيل تقول إن لدينا دلائل جديدة ومقنعة حول ادعائها القديم الذي يقول إن الإيرانيين كذبوا طوال الوقت وقاموا في المقابل بتفعيل مشروع نووي عسكري سري. هذه الوثائق، كما أعلن نتنياهو، تم عرضها على الأمريكيين وسيتم نقلها قريبا إلى دول أخرى.
النقاش من الآن فصاعداً سيكون تحليلياً: هل يوجد هنا «مسدس مدخن» يثبت أن إيران استمرت في جهود التطوير بعد العام 2015. شخصيات متقاعدة رفيعة المستوى في الاستخبارات، الذين حضروا المؤتمر الصحافي، لم يشخصوا في هذا الوقت دليلاً كهذا. في مقابلة مع «هآرتس» في بداية نيسان/ أبريل قال رئيس الأركان غادي آيزنكوت إن الاتفاق النووي رغم عيوبه إلا أنه «في هذه اللحظة يعمل». يمكن التخمين بأن تقديره لم يستقبل بحماسة جارفة في مكتب نتنياهو.
الجيش معه في هذه المرة
الهجوم المنسوب لإسرائيل في مساء يوم الاحد، الذي قصف فيه عدداً من المواقع بين حماة وحلب في شمال سوريا، هو على الاقل الخامس منذ أيلول/سبتمبر الماضي. بعده يبدو أن إسرائيل مصممة على القتال من أجل طرد التواجد العسكري الإيراني من سوريا.
في أعقاب الهجوم السابق الذي قتل فيه 14 شخصاً، بينهم سبعة من رجال حرس الثورة الإيراني في قاعدة «تي 4» قرب حمص، هددت إيران بالرد من خلال عملية قاسية. وفي جهاز الامن الإسرائيلي استعدوا لذلك، لكن التهديد لم يتم تنفيذه حتى الآن. وبدل ذلك حدثت عملية هجوم أخرى نسبت لإسرائيل ضد المصالح الإيرانية في سوريا. حسب التقارير الواردة من سوريا فإن هجمات أول أمس أدت إلى تفجيرات شديدة (قورنت بهزة ارضية صغيرة). عدد من الاشخاص قتلوا، وكما يبدو جنود سوريين ورجال مليشيات شيعية مؤيدة لإيران، حتى الآن ليس واضحا إذا قتل في هذا الهجوم جنود إيرانيون.
في الاسبوع الماضي جاء في الـ «سي.ان.ان» أن اجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية تتابع عن كثب نقل إرساليات سلاح إيرانية إلى سوريا، التي يمكن أن تستخدم لإغلاق الحساب مع إسرائيل. الهجوم الاخير، في هذا التوقيت وبهذه القوة الشديدة، يمكن أن يدل على المس بمخزون سلاح كبير (وبالتالي التشويش على رد إيراني محتمل). أحد التقديرات هو أنه تم قصف إرسالية صواريخ أرض ـ أرض.
في الشمال تجري مواجهة مباشرة ومستمرة مع إيران، تضع فيها إسرائيل خطاً أحمر ومستعدة لتطبيقه بالقوة. ولأن إيران ترفض الموافقة على الحظر والوسائل المستخدمة، وفي ظل غياب وسيط ناجع بين الطرفين فإن المواجهة يمكن أن تتصاعد، وفي هذا الاسبوع بدأت.
كما أسلفنا، ربما توجد علاقة معينة بين التصميم الإسرائيلي الواضح في سوريا وبين انتظار قرار ترامب بشأن الاتفاق النووي مع إيران قبيل 12 أيار/مايو. الاعتقاد هو أن إيران حذرة من الرد على العمليات المنسوبة لإسرائيل في سوريا لأنها تخشى من ارتكاب خطأ يتسبب بغضب الولايات المتحدة عليها. ووفقاً لهذه المقاربة فإن الرئيس ترامب يمكنه الرد على التصعيد بين إيران وإسرائيل بتسريع الانسحاب من الاتفاق النووي. وفي سيناريو مستقبلي متطرف، ربما حتى بهجوم أمريكي على المنشآت النووية (الذي ستكون النتائج فيه ثقيلة جداً، أكثر من هجوم إسرائيلي نظري) السلطات في طهران قلقة أيضاً من سلسلة تهديدات داخلية، وأزمة اقتصادية وحتى مظاهرات مشتعلة. النتيجة التي تنبع من ذلك كما يبدو هي أن إسرائيل يمكنها مواصلة ضرب الإيرانيين في سوريا كلما رأت ذلك مناسبا.
الولايات المتحدة حقا تتصرف الآن بصورة مختلفة جدا عما تصرفت في عهد ادارة اوباما. وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبو جاء لزيارة إسرائيل فورا بعد توليه منصبه، وسافر إلى الاردن قبل فترة قصيرة من وصول تقارير أولية عن الهجمات الإسرائيلية في سوريا. في يوم السبت تحدث ترامب ونتنياهو هاتفيا، ونشرت تقارير أنهما تحدثا حول إيران. هذه رياح داعمة واضحة من واشنطن لرياح الحرب التي تنشب في القدس. هناك انطباع بأنه لو أن بومبو كان لديه بعض الوقت للبقاء في إسرائيل لبضع ساعات لكانوا اقترحوا عليه أن يركب إحدى الطائرات ويطلق بنفسه عدة صواريخ.
نتنياهو، كما كتب هنا قبل بضعة اسابيع، يوجد في وضع نفسي ترامبي يختلف عن سلوكه المعتاد. إن اهتمامه بالتطورات الأمنية يفوق حتى اهتمامه بالمشاجرات السياسية في الائتلاف، وهو مستعد لأن يأخذ على عاتقه مخاطر غير عادية تصل إلى حد المقامرة. بشكل استثنائي، جهاز الامن معه. وليس مثلما كان في النقاش الدراماتيكي حول قصف المنشآت النووية الإيرانية في بداية هذا العقد، فإن رؤساء الاجهزة الأمنية يقودون خط متصلب وهجومي حول موضوع التواجد الإيراني في سوريا. السؤال المثير ولكن المطلوب الآن هو ما الذي سيحدث إذا فشلت العملية الإسرائيلية. صحيح أن إيران لا تريد إغضاب الولايات المتحدة الآن، وهي غارقة في الدفاع عن المشروع النووي من ضغوط أخرى وتخشى من انكشاف قواتها للقصف في سوريا. مواجهة في سوريا هي ايضا غير مريحة لروسيا التي تريد استقرار حكم نظام الأسد في الدولة. ولكن الحسابات الإسرائيلية يمكن أن تتشوش تماما إذا خرجت قوة اللهب في سوريا عن السيطرة، واذا قررت إيران خلافا للتقديرات المبكرة أن تدخل حزب الله إلى المعركة، مثلا بعد الانتخابات البرلمانية في لبنان في 6 أيار/مايو. حزب الله راكم تجربة عملياتية واسعة في سوريا وتوجد بحوزته ترسانة تقدر بأكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة. المنظمة بالتأكيد ليست أقوى من الجيش الإسرائيلي، لكن في حالة الحرب يمكنها التسبب بأضرار حقيقية للجبهة الداخلية وأن تجبي من الجيش الإسرائيلي ثمناً باهظاً في مواجهة برية في لبنان.
هذا التصادم يمكنه أن يجر إلى داخله أيضاً حماس في غزة، كما حذر في مناسبات كثيرة وزير الدفاع. لقد استطاعت إسرائيل حتى الآن الحفاظ على نظام تنسيق لمنع الاحتكاك مع سلاح الجو الروسي في سماء سوريا. فهل سيأتي وقت وتقرر فيه موسكو أنها ملت من قبول إملاءات القدس؟ حتى أمس على الاقل امتنعت روسيا عن الرد على الاحداث خلافا للبيانات القلقة التي نشرتها في حالات سابقة.
يوجد لإسرائيل هدف عادل في سوريا. التواجد الإيراني يتطور إلى امكانية كامنة خطيرة، من شأنها أن تصعب على الجيش الإسرائيلي في المستقبل. مع ذلك، تطرح الآن الاسئلة: هل هدف إبعاد كل التواجد الإيراني من سوريا هو هدف قابل للتحقق، كما يعتقد رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الاركان؟ هل تم أخذ احتمال أن تتشوش هذه الامور في الحسبان، إلى درجة التصعيد، حيث يكون على إسرائيل دفع ثمن أعلى بكثير؟ حتى الآن لم يتم إجراء نقاش عام حول ذلك بصورة فعلية، ولم تسمع أصوات حتى الآن تعارض السياسة في الشمال، لا في الحكومة ولا في القيادة الامنية.
عاموس هرئيل
هآرتس 1/5/2018