----------------------------------------------------------------------
بغداد – العربي الجديد
16 آذار2019
يغوص ملف النفط العراقي في مستنقع المخالفات ، لا بل يتعدى ذلك إلى وصوله للإحتلال الإسرائيلي . إذ إن إقليم كردستان العراق ، يصدّر النفط خارج إشراف السلطه الإتحاديه في بغداد منذ عام 2012 ولغاية اليوم ، في مخالفةٍ دستوريةٍ فجّةٍ .
كذا ، تماطل أربيل للشهر الثاني على التوالي في تنفيذ الإتفاق الأخير مع بغداد ، القاضي بإشراف السلطه المركزيه على عمليات تصدير النفط من الإقليم.
وفي حين ينشط تهريب النفط من أحزاب ومافيات تتوزع بين أربيل والسليمانيه وبلدة زاخو الحدوديه مع تركيا ، يصل جزءٌ كبيرٌ من هذا النفط إلى موانئ فلسطين المحتله ، وتحديداً إلى ميناء " أشدود"
الأمر يتخطى الفضيحه ، إذ تقوم سلطات الإحتلال الإسرائيلي بشراء نفط العراق بأسعارٍ زهيدةٍ جداً تصل إلى 15 و17 دولاراً للبرميل الواحد ، ( سعر النفط يراوح بين 67 و68 دولاراً في السوق الدولية ) ، على إعتبار أن هذا النفط " غير شرعي " ، أو مايعرف ضمن مصطلحات مافيات النفط في كردستان العراق
" مجهول النسب " ، لكونه غير مصرح به من شركة " سومو " العراقيه ، التي تشرف على تصدير النفط العراقي ، وهي الذراع الرسميه للدولةِ العراقيه.
وفي هذا السياق ، كشف مسؤول عراقي بارز في بغداد لـ" العربي الجديد " ، عن طلب كتل سياسيه عديده من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ، فتح ملف النفط
مع المسؤولين الكرد في أربيل والسليمانيه ، وضرورة وضع حد لعمليات التهريب.
و كان عبد المهدي قد تعهد بانصياع الكرد للدستور قبل إقرار موازنة العام الحالي ، وهو ما ضمنه رئيس الجمهوريه برهم صالح الذي أخذ دور الوسيط بين
أربيل وبغداد.
وبحسب المسؤول ذاته ، فإن نواباً من حركة " التغيير " الكرديه المعارضه في الإقليم ، سلّموا مسؤولين ونواباً بالبرلمان الإتحادي في بغداد معلومات عن النفط
الذي يُهرّب إلى خارج الإقليم عبر تركيا وكميته ، والأشخاص المتورطين به ، وكذلك عملياتالتهريب بالصهاريج لمافيات وشبكات تركيه أو إيرانيه ، وكثير منهم
مقربون من الحزب الديموقراطي بزعامة مسعود البارزاني والإتحاد الكردستاني ، وتحديداً جناح الطالباني في السليمانيه .
ويُستخرج هذا النفط من حقل نفطي بين كركوك وبلدة كويسنجق ، وآبار في حقل " بابا كركر " النفطي ، وحقول جنوب شرق أربيل تستثمر فيها شركات نفط
إماراتيه بالوقت الحالي ، أبرزها شركة " دانه غاز " .
وتنتهي رحلة النفط من الإقليم بكميات تصل إلى نحو 300 ألف برميل يومياً ، وفق المسؤول العراقي ، إلى ميناء مرسين و ميناء جيهان التركيين . ومن هناك يتم
شحنه عبر ناقلات نفط يتبع بعضها لشركات أجنبيه إلى دول المتوسط ، وقسم إلى الإحتلال الإسرائيليفي ميناء أشدود الفلسطيني المحتل .
و أكد المسؤول حصول بغداد على أذونات نقل النفط من ناقلات أجنبيه ، تنتهي بمسار النفط العراقي نحو الإحتلال ، وبأسعار بخسة جداً ، رغم إن النفط العراقي
هذا ، خفيف وعالي الجوده .
ولفت المسؤول إلى أن تصاعد الخلافات السياسيه بين الأحزاب والقوى الكرديه في الإقليم ، دفع إلى تسريبات خطيره حيال ملف النفط المهرب ، وهذه الملفات
صارت بيد بغداد.
وينصّ الدستور العراقي على تجريم " التعاون أو التعامل مع الكيان الصهيوني " ، وأدرج ذلك ضمن جرائم الخيانة العظمى ، إلا أن السلطات العراقيه لم تتحرك
حتى اليوم ضد النشاطاتِ المشبوهةِ السابقه والحاليه لمسؤولين وشخصيات كرديه .
وتنصّ المادّة الرابعه من قانون العقوبات في العراق ، على الإعدام شنقاً لكل من ثبت تواصله وإعانته للكيان الصهيوني مادياً أو معنوياً .
الإتفاق على المحك
ورغم إعلان الحكومة العراقية توصلها لإتفاق قبيل إقرار موازنة العام الحالي ، يقضي بإشراف شركة " سومو" على عمليات تصدير النفط العراقي من حقول
الإقليم إلى الخارج ، مقابل تمرير مرتبات موظفي الإقليم وإدراجها ضمن مشاريع التنميه في الموازنةِالحاليه ، إلّا أن الإقليم لم يُسلّم ملف نفطه إلى بغداد حتى
الآن . ولم ترسل السلطه المركزيه كذلك ، مرتبات قوات البشمركه ، ما يعني إن الإتفاق السابق قد يكون على المحك .
وتُشير الفقرةُ العاشره من قانون الموازنه ، إلى عدم إلتزام بغداد بتمويل نفقات الإقليم ومرتبات موظفيه في حال لم يتسلم عائدات 250 برميلاً من النفط ، على
أن تخضع عملية التصدير من الإقليم لإدارة السلطه الإتحاديه .
من جهته ، قال عضو في حركة التغيير الكرديه ( طلب عدم الكشف عن إسمه ) ، إن " أموال النفط الذي يتم بيعه للإحتلال الإسرائيلي تودع في بنوك أوروبيه
وتركيه بأسماء قيادات في أربيل والسليمانيه ، وأخرى تصل إلى أربيل ولا يعرف أحدٌ مصيرها " ، مبيناًأن موضوع تهريب النفط وبيعه وإختفاء أمواله يعني
المواطن الكردي .
ولفت إلى أن الأميركيين يغضّون الطرف عن النفط المهرب إلى تركيا ، لكنهم يضغطون لإيقاف التهريب إلى إيران ، لكونهم يعلمون إن إسرائيل تستفيد من جزء
من هذا النفط .
مسار المافيات
وفي هذا الإطار ، أكد علي البديري النائب في البرلمان العراقي عن تيار الحكمه ، الذي يتزعمه عمار الحكيم ، لـ" العربي الجديد " ، إن جزءاً من نفط الإقليم
المُهرّب يستقر في الموانئالفلسطينيه المحتله ، ويُصدّر لجهاتٍ أخرى .
وأضاف إن " هذه الأمور تتم خارج السلطه الإتحاديه ، وهذا تعدّي على أموال وثروة العراقيين التي تذهب إلى العدوّ وسط تعتيم كبير من قبل سلطات الإقليم
حول هذا الملف " .
وأكد النائب برهان المعموري ، إن الحكومه العراقيه في بغداد مسؤولةٌ بالدرجةِ الأولى على هذا الموضوع وتتحمل مسؤولية كل برميلِ نفطٍ يخرج من البلاد " .
وأضاف في حديث مع " العربي الجديد " ، إنه " في الوقت الحالي الحكومة مطالبة بوضع حد لعملياتتهريب النفط العراقي خارج سلطتها"
من جانبه ، أوضح الباحث بالشأن الكردي علي ناجي ، أن عمليات تهريب النفط التي تمر عبر أراضي إقليم كردستان العراق تتم بعلم الأحزاب المتنفذه بالإقليم .
وقال في حديث مع " العربي الجديد " ، إن " تهريب النفط من أراضي الإقليم يذهب جزءٌ منه نحو إيران عن طريق كركوك - السليمانيه ويدخل الأراضي الإيرانيه
عبر منفذي " باشماخ " ، في محافظة السليمانيه أو منطقة " برويز خان " الحدوديه في محافظة ديالى . "
وبيّن إنه " في الفترةِ الأخيره ، تم تغيير مسار التهريب إلى إيران بسبب الضغوط الأميركيه على أحزاب الإقليم ، ليمر عبر الطرق المتاخمه للحدود العراقيه
الإيرانيه " .
وتابع ناجي : " أما النفط المُهرّب إلى تركيا فيكون عبر أراضٍ تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني ومن محافظة دهوك " ، مضيفاً أن " هذا النفط يُباع
لشبكاتٍ مختصةٍ ببيع النفط ويتم إيصاله عبر تركيا إلى الإحتلال . "
ولا يُعتبر شراء الإحتلال الإسرائيلي للنفط العراقي سرّاً ، إذ نشر العديد من وسائل الإعلام الغربيه تقارير في هذا الإطار ، وأفادت بأن " إسرائيل " تعدّ أكبر
مستورد للنفط من إقليم كردستان ، وقد إحتلت المرتبة الأولى وتفوقت على إيطاليا التيحلّت في المرتبةِ الثانيه في الترتيب .
ووفق معطيات نشرت في 2017 لشركة " كليبيرداتا " الأميركيه ، المختصه بتعقب شحنات النفط العالميه ، فإنّ نحو نصف النفط الخام المستخرج من حقول
النفط في الإقليم في عام 2017 ، وصل إلى " إسرائيل ."
وفي عام 1986 ، عاقب العراق مجموعة شركات غربيه تبين إنها تنقل جزءاً من التمور والجلود العراقيه إلى سلطات الإحتلال الإسرائيلي ، ووضعها في القائمة
السوداء . وطالب عدد من المسؤولين برضوخ الإقليم للدستور ، وضرورة موافقته على تصدير نفطهتحت مظلة بغداد ، من دون قيد أو شرط ومن دون أي
مماطله .
وأكد وزير النفط العراقي ثامر الغضبان ، في 25 شباط / فبراير الماضي ، إن شركة تسويق النفط العراقيه " سومو " لم تتسلم 250 ألف برميل من النفط الخام
المنتج من حقول إقليم كردستان العراق ، وأشار إلى عزم الوزاره حسم هذه القضيه .