الصحة العالمية: حكومة العراق تنفق على الرعاية الصحية أقل من دول أفقر بكثير
رووداو - أربيل:أشار تقرير نشرته وكالة رويترز للأنباء يوم أمس، 2 آذار 2020، إلى أن نظام الرعاية الصحية في العراق يعاني من أزمة نقص في الدواء وفي أعداد العاملين القائمين على الرعاية الطبية، وأن الأطباء العراقيين يهربون إلى الخارج بالآلاف، ومتوسط الأعمار في العراق أقل بكثير مما في باقي أنحاء المنطقة.
واعتمدت رويترز في تقريرها على الحوار مع عشرات الأطباء والمرضى والمسؤولين والمستثمرين من القطاع الخاص وحللت بيانات من الحكومة ومنظمة الصحة العالمية.
وجاء في التقرير: "خلال الثلاثين عاماً الماضية تعرضت البلاد للخراب بفعل الحروب والعقوبات الدولية والصراع الطائفي وصعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وضاعت على العراق فرص توسيع نظام الرعاية الصحية وإعادة بنائه حتى في أوقات الاستقرار النسبي".
ففي عام 2019 الذي شهد هدوءاً نسبياً، خصصت الحكومة 2.5 في المئة فقط من موازنة الدولة البالغة 106.5 مليار دولار لوزارة الصحة، وهذا مبلغ ضئيل مقارنة بما يتم إنفاقه في دول أخرى بالشرق الأوسط، حسب رويترز.
وتظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن الحكومة الاتحادية في العراق أنفقت خلال السنوات العشر الأخيرة مبلغاً أقل بكثير على الرعاية الصحية للفرد من دول أفقر كثيراً، إذ بلغ نصيب الفرد من هذا الإنفاق 161 دولاراً في المتوسط بالمقارنة مع 304 دولارات في الأردن و649 دولاراً في لبنان.
وقال وزير الصحة العراقي السابق، علاء علوان، لرويترز في آب الماضي: "الوضع الصحي في العراق تراجع بشكل كبير جداً خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، وأحد أسباب هذا هو عدم إعطاء أولوية للصحة من قبل الحكومات المتعاقبة في العراق"، وأضاف: "ولذلك ركزنا على المعطيات التي تشير إلى مدى إعطاء أولوية للقطاع الصحي في الموازنة الحكومية".
استقال علوان، الذي سبق أن شغل مناصب عليا في منظمة الصحة العالمية، من منصبه الوزاري في الشهر التالي بعد أن أمضى عاماً واحداً في المنصب مستشهداً بفساد لا يمكن التغلب عليه وتهديدات من معارضين لجهوده الإصلاحية.
تفجرت احتجاجات شعبية في بغداد وفي مناطق كثيرة من جنوب العراق بما فيها البصرة في أواخر العام الماضي وطالب فيها الآلاف بإصلاح النظام السياسي الذي يقولون إنه أهدر موارد الدولة ودفع بالمواطنين العاديين إلى صفوف الفقراء.
وسوء الرعاية الصحية أحد المظالم الرئيسة كما أن نقص فرص العلاج من السرطان قضية ساخنة، ويتنامى الضغط الشعبي على القيادات السياسية على كل المستويات.
يقول المدرس كرار محمد (25 عاماً) الذي توفي أبوه بالسرطان "أنا هنا اليوم لأن أمي مريضة بالسرطان ولا تستطيع الحصول على أبسط علاج".
كان مصطفى يرقد على سرير في غرفة المعيشة ببيت عمه في البصرة عندما زاره مراسل رويترز في ربيع 2019. كان ألم صامت يعتصر وجهه ولم يكن بمقدوره الشعور بالراحة في رقاده بسبب الورم المصاب به في ظهره.
بدأت مشكلة مصطفى بألم بسيط في الساق في 2016. وأساء أطباء تشخيص حالته في البداية فقالوا إنه مصاب بالتهاب في المفاصل، وعندما تم اكتشاف الورم كانت حالته الصحية قد تدهورت، وقرر الأطباء أنه مصاب بنوع من السرطان يصيب الأنسجة الضامة، وبدأ مصطفى رحلة العلاج في المستشفى التخصصي للأطفال في البصرة.
يقول تقرير رويترز إن المستشفى يعاني من عجز كبير في الغرف. إذ تزدحم كل غرفة بستة أسرة كلها مشغولة، ويتمثل تخلف العراق عن باقي المنطقة في معدل أسرة المستشفيات الذي يبلغ 1.2 سرير فقط لكل ألف نسمة، وتنام الأمهات على الأرض بجوار أسرة الأطفال المرضى. أما الآباء فينامون في مقطورة قريبة يسميها العراقيون الكارافان. بل أن غرف الطوارئ أعيد تجهيزها لتتسع لمزيد من المرضى.
وقال إداريون لرويترز "إن المستشفى قد يضطر قريباً للتوسع في المساحات المخصصة للمخازن"، ويشكو الآباء من أن قلة المساحات المتاحة ليست في صالح أطفالهم الذين يعانون من نقص المناعة بسبب العلاج الكيماوي.
البصرة، كبرى مدن جنوب العراق، هي العاصمة الاقتصادية للعراق وتصدر من النفط ما يوفر 90% من إيرادات الدولة. غير أن نظام الرعاية الصحية يعاني من نقص مزمن في التمويل ويديره فريق مرهق من الأطباء والممرضات وفقاً لما قاله أطباء ومرضى في المدينة لرويترز، وحسب تحليل لبيانات وزارة الصحة.
ويشير المرضى والأطباء إلى الفساد وسوء الإدارة على المستويين الاتحادي والمحلي، وتوصلت رويترز إلى أن نصيب الفرد من الإنفاق الحكومى على الرعاية الصحية في البصرة بين العامين 2015 و2017 بلغ 71 دولاراً في المتوسط، أي نصف المتوسط العام على مستوى البلاد.
وتعاني البصرة من نقص شديد في معدات طبية حيوية حيث لا يوجد بها سوى ثلاثة أجهزة للأشعة المقطعية ووحدة واحدة للفحص بالرنين المغناطيسي لكل مليون نسمة وهي نسبة لا تذكر مقارنة مع المتوسط العام في الدول المتقدمة والذي يبلغ 26 جهازاً للأشعة المقطعية و16 جهازا للرنين المغناطيسي.
وقال المدير الإداري للمستشفى التخصصي للأطفال في البصرة، علي العيداني، إن المستشفى يحتاج إلى أكثر من أربعة أمثال ما حصل عليه من أموال من وزارة الصحة في 2019 للعمل بكفاءة، ولا يوجد في المستشفى جهاز للمسح الذري الذي يستخدم للمساعدة في رصد أنواع معينة من السرطان وتشخيصها أو ما يكفي من أدوية السرطان.
ولتسيير العمل بالمستشفى خلال فترات نقص الأدوية يعمد العيداني إلى جمع تبرعات الأمر الذي يزج به في مشاكل مع السلطات التي حققت معه عدة مرات في اتهامات بالفساد وفي كل مرة كان التحقيق ينتهي بمجرد تحذير، حسب تقرير رويترز.
اللوائح الحكومية التي ترجع إلى السبعينيات تمنع الأطباء من أمثال العيداني من شراء معدات أو أدوية من القطاع الخاص، ويتعين عليه بدلاً من ذلك استلام الأدوية مباشرة من وزارة الصحة في بغداد والتي لا تملك في كثير من الأحيان ما يكفي منها.
وقال العيداني لرويترز إنه إذا اتبع اللوائح فسيموت الأطفال ببساطة. وهو يلجأ بدلاً من ذلك لاستغلال ثغرة فيشتري الأدوية من إقليم كوردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي وله وزارة الصحة الخاصة به ونظام تفتيش مواز على الأدوية، ونظرا لخضوع تلك الأدوية للفحص والاعتماد من قبل جهة حكومية فإنها تعتبر مستوفاة للشروط القانونية.
وذكر تقرير رويترز أن الرعاية الصحية أفضل في إقليم كوردستان الذي نجا مما شهده العراق من دمار ما بعد الغزو الأمريكي والحرب الأهلية خلال العقد الأول من الألفية الثالثة.
يعيش في إقليم كوردستان 15-20% من سكان العراق لكنه يضم ربع ما في العراق من مراكز لأمراض القلب والتأهيل وثلث مراكز علاج مرض السكري، حسب التقرير الذي يشير إلى أنه في حين أن نسبة الأسرة بالمستشفيات تبلغ 1.1 ونسبة الأطباء 0.8 لكل ألف مواطن في باقي مناطق العراق، فإن النسبة تبلغ 1.5 سرير و1.4 طبيب في كوردستان.
وقال وزير الصحة السابق، علوان لرويترز، إن نسبة تتجاوز 85% من أصناف الدواء على قوائم الأدوية الأساسية في العراق كانت إما موضع نقص في الامدادات أو غير متوفرة على الإطلاق في 2018، وأدوية السرطان من أندرها وأكثرها عرضة للتهريب لأسباب منها ارتفاع أثمانها.
ونقلت رويترز عن مسؤولين في جهات تنظيمية ومستوردين من القطاع الخاص أن بعض الشركات الدولية تتجنب إبرام تعاملات مباشرة مع الحكومة العراقية بسبب الفساد وعدم الاستقرار، وسلم وزير الصحة السابق بخطورة الفساد فقال: "بكل صراحة، قضية الفساد الإداري الموجود في العراق تشكل عقبة في هذا المجال".
تستورد الحكومة الاتحادية العراقية الدواء والمعدات الطبية من خلال الشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية (كيماديا)، التي سلّم مديرها العام بأنها شركة عتيقة ولا تحظى بتمويل كاف وتفشل في كثير من الأحيان في تلبية الطلب.
ويقول التقرير إن الصيدليات تمتلئ بالأدوية المهربة التي ربما تجاوز بعضها تاريخ الصلاحية أو أصبح استخدامه غير مأمون العواقب، بينما لا يستطيع العراق التعويل على الصناعة المحلية في إنتاج الأدوية بخلاف الستينيات والسبعينيات عندما كانت الرعاية الصحية بالعراق موضع حسد في منطقة الشرق الأوسط.
يقف مصنعان كبيران مملوكان للدولة شاهداً على مدى الانحطاط الذي حل بالصناعة الدوائية، وفق تقرير رويترز. يقع الأول في الموصل وقد لحق به الدمار بسبب سيطرة داعش على المنطقة. أما الثاني فيقع في سامراء ويعمل بمعدات عتيقة.
تأسست الشركة العامة لصناعة الأدوية في العراق قبل 50 عاماً وهي تملك المصنعين، وقال رئيس مجلس إدارتها، ليث عبدالرحمن: لرويترز إن "الشركة كانت تنتج 300 صنف. أما الآن فهي لا تنتج سوى حوالي 140 صنفاً وكلها من الأدوية الأساسية وليس من بينها أدوية ضرورية لإنقاذ المرضى المشرفين على الموت"، وفي 2019 كانت الشركة تنتج أدوية أقل بنسبة 80% مما كانت تنتجه في 2002.
وقال عبدالرحمن: "الظروف التي مر بها العراق، من الحرب مع إيران، وحصار لمدة 13 سنة، وأحداث الحرب بعد 2003، مؤثرة بالتأكيد. أي بلد يفتقر إلى استقرار اقتصادي أو سياسي تتراجع فيه الصناعة".
يوجد في العراق 17 مصنعاً مملوكاً للقطاع الخاص تنتج أدوية أساسية بتكنولوجيا عفا عليها الزمن، ويقول مهنيون إن الفساد والضرائب العالية وشبكة الكهرباء التي لا يمكن التعويل عليها وسوء حال سلسلة الإمداد وسوء الأوضاع الأمنية تسبب في تأخر الصناعة لعشرات السنين.
وقال مدير عام كيماديا، مظفر عباس إن الشركات العراقية تغطي أقل من 8% من احتياجات السوق وتفتقر للمواد الخام والتكنولوجيا والمعدات، وأضاف: "تاريخ الصناعة الدوائية في العراق هو من أقدم الصناعات في المنطقة وفي الوطن العربي، حيث كان معمل أدوية سامراء يعتبر الرائد في المنطقة، ربما كنا ثاني دولة عربية دخلت مجال صناعة الدواء بعد مصر".
وأشار عباس إلى أن معمل أدوية سامراء "كان يغطي الكثير من احتياجات العراق من الأدوية وكان يصدر لدول أوروبا الشرقية وللدول العربية".
عدد الأطباء والممرضات في العراق مقارنة بعدد السكان، أقل بكثير من دول أخرى بل إن عددهم أقل بكثير من دول أفقر مثل الأردن وتونس. ففي 2018، كان العراق لديه 2.1 ممرضة وقابلة لكل ألف نسمة مقارنة مع 3.2 في الأردن و3.7 في لبنان وفقاً لتقديرات كل بلد.
وبلغ عدد الأطباء 0.83 فقط لكل ألف نسمة أي أقل بكثير من الدول المماثلة في الشرق الأوسط. فقد بلغ العدد في الأردن على سبيل المثال 2.3 طبيب لكل ألف نسمة.
أشار الأطباء الذين تحدثوا لرويترز إلى أن حياتهم لم تكن وردية في عهد صدام حسين، وكانت البلاد كانت تعاني من نقص الأدوية، والأطباء يعانون من ضعف الرواتب، وكان الأطباء يُعدّون سلعة قيمة ويُمنعون من مغادرة البلاد. لكن أحد الأطباء قال: "على الأقل كانت هناك حماية، ولم يكن هناك اعتداء على الأطباء".
تقول نقابة الأطباء العراقية إن 320 طبيباً على الأقل قتلوا وتعرض آلاف غيرهم للاختطاف أو التهديد منذ العام 2003 حين أطاحت القوات الأمريكية بصدام لتبدأ سنوات من العنف الطائفي وتمرد المتشددين الإسلاميين.
في ظل حكم صدام رحل كثير من العاملين بالمهن الطبية عن البلاد من خلال مهربين ورحلات محفوفة بالخطر، وبعد الاجتياح الأمريكي بدأ العاملون بالقطاع بالهجرة بأعداد كبيرة، ما جعل نظام الرعاية الصحية العام غير مهيأ لمعالجة أمراض سكان العراق البالغ عددهم 38 مليون نسمة، وفقاً لتقرير رويترز.
وقالت نقابة الأطباء العراقية إن نحو 20 ألف طبيب، حوالي ثلث الأطباء المسجلين البالغ عددهم 52 ألفاً، فروا من البلاد منذ التسعينيات، وقال طبيب حاورته رويترز إن نصف الـ300 طبيب الذين تخرجوا ضمن دفعته في العام 2005 رحلوا عن العراق.
وقال نقيب الأطباء العراقيين، عبدالأمير حسين: "ليس هناك العدد الكافي من الأطباء والمستشفيات للتعامل مع عدد المرضى".
كما أدت أزمة الرعاية الصحية إلى انهيار الثقة بين الأطباء والمرضى. فليس غريباً أن تعتدي عشيرة مريض على الطبيب إذا ساءت الأمور خلال العلاج، وقال طبيب سابق، في بغداد، لرويترز: "عندما تكون هناك حالة وفاة كنا نتصل بالشرطة قبل أن نبلغ عائلة المريض تحسباً"، وقدر أن حوالي 20% من زملائه السابقين تحولوا إلى العمل الأكاديمي مضيفاً أن التدريس أكثر أمناً ويلقى قدراً أكبر من الاحترام من ممارسة الطب.
يعاني معظم الأطباء الشباب من ضغوط العمل الشديدة ويعمل الواحد منهم ورديات تتراوح بين 12 و16 ساعة كل يوم، وقال أطباء لرويترز إن بعض زملائهم يقبل الرشوة لكي يكتب للمريض أدوية معينة.
ويحيل كثيرون من كبار الأطباء المرضى الذين يفحصونهم في الصباح في المستشفيات العامة، إلى عياداتهم الخاصة لزيادة دخلهم، ويقول أطباء ومرضى ودعاة الحق في الرعاية الصحية إن هذا يتسبب في تآكل ثقة المرضى بالقطاع العام.
ويتأثر أداء الأطباء بطول ساعات العمل الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من الأخطاء ويقود بدوره إلى مزيد من الاعتداءات.
في حين يشتري بعض الأطباء الدواء لمرضاهم بمالهم الخاص إما انطلاقاً من الالتزام الأخلاقي أو خوفاً من الاعتداء عليهم، وهذا مخالف للقانون لأن الأدوية التي تعطى للمرضى في المستشفيات يجب أن يكون مصدرها صيدلية المستشفى، وربما يؤدي هذا التصرف إلى دخول السجن.
وفي أيلول 2019، خرج مئات الأطباء إلى شوارع بغداد للمطالبة بتحسين أجورهم وظروف العمل، قبل أيام من احتجاجات واسعة النطاق اجتاحت البلاد مع تفجر الغضب من تدهور الخدمات العامة والفساد في الأوساط الرسمية.
وشوهد أطباء شبان وهم يعالجون المحتجين الجرحى في ساحة التحرير بوسط العاصمة العراقية.
نتيجة سوء تجهيز المستشفيات ونقص الأدوية في البلاد ينفق كثيرون من مرضى السرطان آلاف الدولارات طلباً للعلاج في الخارج، وقال المشرف على برنامج الإخلاء الطبي في العراق، عامر عبدالسادة، إن العراقيين أنفقوا 500 مليون دولار على الرعاية الصحية في الهند في العام 2018 وحده.
حاورت رويترز 11 مريضاً بالسرطان وقالوا إنهم أنفقوا آلاف الدولارات على علاج السرطان في الخارج، وأنفق كثيرون منهم مدخرات العمر وعادوا ليكتشفوا أن علاجات المتابعة الطبية غير متوفرة.
أمثال أسرة عبدالله، التي كانت تنتمي للطبقة المتوسطة قبل أن يمرض مصطفى، لم يعد بوسعها تدبير تكاليف السفر للخارج، وتنفق ما تبقى لديها من أموال على الأدوية في السوق السوداء. فقد كلفتها عمليته الجراحية الأولى 12 مليون دينار عراقي (حوالي 10000 دولار أمريكي)، وهو مبلغ وصفه عبدالله بأنه "يكسر الظهر".
ثم جاءت الحقن فكان ثمن الأولى 500 دولار والثانية 400 دولار والثالثة 300 دولار، وبلغت تكلفة فحوص الأشعة في اليوم التالي ألف دولار.
كان لدى الأسرة من مدخراتها ما يكفي لسفر مصطفى إلى الهند بعد ثمانية أشهر عندما تدهورت صحته، وبلغت تكلفة الرحلة حوالي 16000 دولار ولم تسفر عن تحسن حالته.
وبفضل تبرع سخي من أحد أصحاب الأعمال الخيرية أمكن لمصطفى السفر إلى لبنان حيث قال والده إنه تلقى العلاج السليم. بلغت تكلفة تلك الرحلة 7000 دولار ولم تستطع الأسرة إرساله للخارج مرة أخرى.
وقال عبدالله: "بتنا في حيرة من أمرنا، لا أعرف أين أذهب به، لست قادراً على شيء"، وأضاف أن الدواء هو أكبر بند في الإنفاق على علاج ابنه ويتم شراء الكثير منه من لبنان لأن البدائل المحلية غير فعالة، ويكلفه علاج ابنه حوالي 3000 دولار سنوياً.
اضطر عبدالله إلى ترك وظيفته للعناية بمصطفى على مدار الساعة ولجأ للقيام بأشغال غريبة تدر عليه ما بين 640 و720 دولاراً في الشهر.
تلجأ وزارة الصحة العراقية إلى رجال الأعمال للمساعدة في تحمل أعباء تطوير المعدات والخدمات، وطبقت في العام 2019 إصلاحات للسماح لرجال الأعمال ممن ليست لهم أي خلفية طبية بامتلاك المستشفيات.
ويقدر المسؤولون بقطاع الصحة أن القطاع الخاص أضاف 2000 سرير بالمستشفيات في العراق في الأشهر الستة الأولى من 2019 بزيادة نسبتها أربعة في المئة.
كما طبقت الهيئة الوطنية للاستثمار حوافز لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، لكن كل ذلك لم يكن كافياً، فلا يزال من الصعب جلب مستثمرين إلى العراق ومازال عدم الاستقرار المالي والسياسي يمثل عائقاً كبيراً.
وعندما تعرضت المنشأة الجديدة التي أقامتها الحكومة لتصنيع أدوية السرطان في الموصل للقصف في 2017 أصبحت صور ما تخلف عنها من ركام تذكاراً مؤلماً بالمخاطر المحدقة بالمنطقة.
عندما عاود مراسل رويترز زيارة الأسرة ف