العيش بكرامة... هاجس الشباب العرب
مينا العريبي
العيش بكرامة... هاجس الشباب العرب
«شاب بدّه يعيش بكرامة». هكذا وصفت ابنة عم عمر فاروق، قريبها الذي توفي جراء إصابته بطلقة نارية من عنصر من عناصر قوات الأمن اللبنانية في طرابلس الأسبوع الماضي. عمر، كغيره من الملايين من الشباب العرب، كان يبحث عن فرصة عمل تجلب له ولعائلته لقمة عيش تسمح له بحياة كريمة. لم يجدها في بلده فجرّب حظه في تركيا ولم يفلح، ليعود إلى لبنان وسط أزمة مالية قاهرة. وعندما خرج للشارع للتظاهر، سقط بعد إطلاق النار عليه. سمعنا بقصة عمر لأنه مات، ولكن هناك ملايين مثله يعانون من البطالة وفقدان فرص العمل وفقدان الأمل. ومن المؤسف والمحتم أن العالم سينسى قصة عمر خلال أسابيع، إن لم تكن أياماً، بينما محبوه سيحملون ألم ووجع مقتله مدى الحياة.
قبل أيام من مقتل عمر، قُتل أكثر من 32 عراقياً وجُرح العشرات في تفجيرين بساحة الطيران في بغداد في منطقة خاصة لبيع الملابس المستعملة. مَن يبيع ويشتري هناك من البسطاء من أبناء بغداد والباحثين أيضاً عن العيش الكريم، ولكن جاء الهجوم ليدمر حياتهم وسط أزمة سياسية واقتصادية خانقة. وتزامن ذلك الحادث الأليم مع تصاعد وتيرة المظاهرات في تونس، حيث حمل المتظاهرون شعارات «زاد الجوع» بعد مرور عِقد على الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، على أمل مكافحة الجوع بنظام سياسي جديد. عشر سنوات قلبت الكثير من الأمور، ولكن بقى الجوع والبطالة يلاحقان نسبة غير قليلة من أبناء تونس.
تقدِّر منظمة العمل الدولية أن نسبة البطالة بين الشباب العرب في عام 2020 وصلت إلى 23%، بينما كانت 19.5% عام 2012. وقد أشارت المنظمة في تقريرها السنوي إلى أن هناك «فارقاً ملحوظاً بين دول مجلس التعاون الخليجي والدول الأخرى» في المنطقة بما يخص البطالة –الواقع أن هذا الأمر لا يقتصر فقط على البطالة. الأمر ليس فقط متعلقاً بالثروة النفطية التي تتمتع بها غالبية دول الخليج، فالعراق وليبيا من أغنى الدول النفطية، بل يتعلق بالإدارة والحوكمة. أكثر من مسؤول عراقي علّق مؤخراً بأن «العراق ليس ببلد غني». من اللافت، كم من شخصية سياسية متمرسة تردد هذه الجملة. كيف أن العراق، بلد بنهرين وأرض زراعية خصبة ومخزون نفطي ومعادن غنية أخرى من الأكبر في العالم، ويعده البعض بلداً فقيراً؟ نعم، العراق يعاني من مشكلات اقتصادية متصاعدة واعتماد 4 ملايين موظف حكومي على رواتب الدولة من دون إنتاجية عالية، ولكن هذا الخلل ناتج عن فساد سياسي بسبب المحسوبية وليس مؤداه فقر البلد.
منظمة العمل الدولية أفادت في تقريرها المفصل أن نسبة البطالة في العالم العربي «أعلى بشكل ملحوظ مقارنةً بباقي دول العالم خلال العقود الثلاثة الماضية»، مضيفةً أن وضع النساء في سوق العمل تراجع وقد هبط إلى 42% عام 2020. الأزمة الكبرى أن نسبة الشباب في مستهلّ أعمارهم الذين لا يدرسون ولا يعملون وصلت إلى 34.3% منهم في العالم العربي، مقارنةً بنسبة 22.3% في العالم. أي أن ثلث شباب العالم العربي، وهم في أهم مرحلة من عمرهم بالنسبة لاكتساب الخبرة والمعرفة، إما عن طريق الدراسة وإما عن طريق العمل، هم في الواقع ضائعون، لا يستفيدون ولا يستطيعون أن يسهموا بشكل منتج في مجتمعاتهم. الإحصاءات تصدم لأنها تدل على حجم المشكلة التي يواجهها العالم العربي، وستزداد في السنوات المقبلة إذا بقي ثلث شبابه من رجال ونساء مهملين وغير قادرين على المساهمة المنتجة في مجتمعاتهم ومحيطهم. لا غنى من دون إنتاجية ومن دون خطط مدروسة للتقدم.
بينما كانت المظاهرات تتصاعد في طرابلس وتونس والأسئلة تدور حول مستقبل الشباب والمجتمعات بشكل عام في الدول العربية المضطربة، عُقد المنتدى الاقتصادي العالمي لبحث التطورات العالمية، خصوصاً مع جائحة «كوفيد - 19» التي خلقت تحديات جديدة وزادت من تعقيد الأزمات الحالية. على مدار 50 عاماً عُقد الاجتماع السنوي في منتجع دافوس في جبال الألب في يناير (كانون الثاني)، باستثناء عام واحد عندما عُقد الاجتماع في نيويورك في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 لدعم الولايات المتحدة عقب الهجوم. إلا أن هذا العام كانت جميع الجلسات افتراضية، عبر تطبيق «زووم»، بسبب الجائحة. على الرغم من ذلك، حضر رؤساء دول مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني تشي جينبينغ، ورؤساء تنفيذيين لكبرى الشركات الدولية. لم يحضر وزراء أو مسؤولون من غالبية الدول العربية، بينما كانت الإمارات والسعودية ومصر من أكثر الدول حضوراً في الجلسات.
وفي إحدى الجلسات الرئيسية، تحدث وزير شؤون مجلس الوزراء الإماراتي محمد القرقاوي، عن دور الحكومات، قائلاً إن على الحكومات أن «تكون قادرة على مواكبة التغييرات وأن تكون سريعة ومرنة... طريقة العمل السابقة ستفشل كما نرى في الكثير من الدول». القدرة على التطور والتأقلم مع المتغيرات العصرية أصبحت ضرورية ليس فقط للنجاح وإنما للنجاة. وهذا الأمر ينطبق على الحكومات بشكل عام، ليس فقط خلال جائحة «كورونا». هناك دول في عالمنا العربي لم تستطع مواكبة التغيرات أو أن تتعامل مع المتطلبات المجتمعية منذ عقود، مما أوصلنا إلى أن يكون 34 من الشباب خارج نطاق العمل أو التعليم. وفي الوقت نفسه، نرى دولاً مثل الإمارات تفكر بالمستقبل إلى درجة أنها ستفتتح متحفاً خاصاً بالمستقبل، كما أن السعودية تعمل على مدينة جديدة خالية من السيارات ومبنية على أسس العيش السعيد والبيئة الناجحة.
بينما تدور المظاهرات في لبنان وتونس، وتزداد الاغتيالات في العراق، وتسوء الأزمة الإنسانية في اليمن وسوريا وفلسطين، الثورة التقنية تترسخ وتتسارع. في غالبية الدول العربية نحن خارج إطار هذه الثورة، ملايين من الشباب العربي يبحثون عن لقمة العيش، هناك من ينتحر خوفاً من المكوث في البيت والموت من الجوع. عشر سنوات مرت على مظاهرات شعبية في دول عربية عدة، خسرنا الكثير وتعلمنا القليل. ويبقى الواقع هو أن غالبية الشباب في عالمنا العربي هو «شاب (أو شابة) بدّه يعيش بكرامة».