قصة - احلام بلا أجنحة ..
عادل شهاب الأسدي
قصة -احلام بلا أجنحة ..
قالت له بكل إصرار وثقة، سأواصل دراستي وسوف أنجح لأكون طبيبة، من أجلِكَ أنتَ ..أنتَ وحدك ..سنتجاز المحن ونركب الموج ونسابق الريح أنا وأنت حتى نصل شطآننا الدافئة حيث الأمان الذي وعدتني أتذكر ؟ حينما قلتَ لي ذات لقاء ونحن في غمرة أشواقنا : سأكون لكِ الأمان ، سأعمل كل شيء من أجلكِ من أجل عينيكِ الجميلتين..
ــ فقط امهليني لأوضب حقائبي وأهيئ بطاقة سفري.
لم تسعها الدنيا وحلقت في أحلامها الصغيرة، وباتت تنتظر...
(أحلام ) صبية ذكية ورقيقة وجميلة . ينسرح شعرها الكستنائي على رقبتها النحيفة، وعيناها السوداوان تبرقان بالأمل. تغمر البراءة روحها وقلبها الصغير فهي لا تعرف معنى الكراهية والخيانة أو الكذب ..لا تعرف ما يعني الإرهاب ومن أجلِ من ولأجلٍ من كل هذا الموت الذي نشب مخالبه في بلدها سوى أن قتالا ضاريا وخربا ضروسا استعرت فيه وتحديدا في مدينتها الآمنة مدينة ( الرقة ) السورية حتى أحرقتها لتحترق معها طفولة أحلام، فقد تعرض منزلهم للهدم جراء عمليات القصف المتبادل بين الأطراف المتنازعة !
لم يكن هنالك خيار أمام هذا الخراب والموت الذي لا يفرق بين أحد سوى أن تهرب مع عائلتها هربا من ذلك الشبح إلى جهة بعيدة حيث الأمان ..
قالت أحلام بلهجتها السورية المحببة : " يوم تركت بيتنا توجعت ووقت ما تركت مدرستي (برضه) توجعت ووقت ما تركت أهلي أعمامي ورفقاتي وجيراني قلت الدنيا ما تحلى بدونن ..بس يقيني بالله راح يعوضني بالأحسن ، هيك كان مبدأي ".
عزمت العائلة على ركوب المخاطر لتسلك طريق الهجرة الى المجهول ولكن لم يكن من السهل عليهم المغادرة في غمرة الفلتان الأمني ، تعرض والدها للاختطاف من قبل جماعة مجهولة لتترك العائلة المنكوبة في حيرة من أمرها !! أين وكيف ومن وراء ذلك ؟ لا جواب !
وتمر سنة من الحزن والقلق عاشتها أحلام مع عائلتها أمها وأخويها محشورين في خيمة صغيرة مع عائلات اخرى مشردة لاقت فيها العائلة من العذاب والقهر ما لا يحتمله أحد من البشر. لم يكن أمامهم سوى الصبرعله يفضي بهم إلى بارقة أمل والدعاء لأبيهم بالعودة إلى أحضانهم ، وفي غمرة الضياع لاح لهم ذاك البريق بعد ان عثروا على خيط يدلهم على وجود أبيها ، وجرت المساومة على إطلاق سراحه لقاء دفعهم مبلغا من المال استدانوه من أحد معارفهم .
أنطلق الأب بعائلته نحو الحدود الفاصلة بينهم وبين بلاد المغرب لتكون محط هجرتهم، كانوا ضمن مجموعة من عائلات يسلكون نفس الطريق .
القلق والخوف هاجسان يسيطران على أفراد العائلة ..ما زال الاقتتال بين أطراف النزاع في أشده !.
- الطريق ليست آمنة ..
قال والد أحلام وهو يحتضن أطفاله .. وقعوا تحت نيران القذائف التي أخذت تتساقط هنا وهناك ..صراخ أطفال ونساء أمتزج بدوي القذائف التي راحت تنفجر فوق رؤوسهم . فقد سائق العجلة التي تقلهم السيطرة على القيادة ما أدى إلى انقلابها وإصابة معظم من فيها، فوجئ الأب بدماء تسيل بغزارة من رأس ابنته أحلام.. يالهول الصدمة ! لقد أصيبت بجرح عميق في رأسها وقدمها اليمنى انها لا تستطيع الحراك !
ما زالت أمامهم عدة أميال لبلوغ نقطة الحدود وقد بدا الأب عاجزا لا يملك ما يقدمه ليسعف ابنته التي راحت تنزف ..ربما سيفقدها ..نعم ستموت . يا إلهي !!
حشروا نفسهم في عجلة أخرى كانت من بين القافلة.. هيا !! أرجوك أسرع قد تموت ابنتي قبل أن نصل هيا! .. قال الأب متوسلاً السائق..
- نعم .. ها أنا أسير بأقصى ما عندي . لا تخف ستكون ابنتك بخير ان شاء الله سنصل الحدود ها نحن نقترب . !!
تمالكيِ نفسكِ عزيزتي قال لها السائق " فيما هوت احلام في نوبة إغماء.
قالت أحلام مستذكرة : "لقيت حضن وطن تاني أدفى من الأول وهلق الحمد لله بدرس بأحسن جامعة وحلمي الحصول على منحة لإكمال دراستي في أوروبا" تفتحت أحلام مثل زهرة ربيعية. وها هي تتخطى سنواتها العشرين .كانت تعمل وتدرس في نفس الوقت لتساهم في توفير مصروفها الجامعي ولتخفف من أعباء الحياة الملقاة على كاهل أبيها الذي فقد وظيفته حينما كان يعمل مهندسا في بلده.
" على مذبح الحرية والشهادة يراق دم العشاق والمحبين كما يقال" هكذا قال له صديقه الذي يرافقه حينما كان أحمد يعمل مراسلا حربيا في إحدى القنوات الفضائية لتغطية المعارك التي تدور رحاها هناك . كان أحمد شابا وسيما يقارب عمره الثلاثين عاما وكان طموحاً وشجاعاً ومندفعا شغوفاً بعمله ويكتب الشعر أيضا. شاء القدر أن يتعرف على فتاة من خلال شبكة التواصل الأجتماعي كانت تنشر عبر موقع لها مقاطع من الشعر . شعر ان هناك شيئا يجذبه نحوها دون أن يدرك سره .كان صوتها يأتيه منسابا كأنغام موسيقى تحمله ذرات الأثير عبقة بالحب والغربة لتروي روحه العطشى .
يسأل نفسه" من أي عالم هبط عليه هذا الملاك ؟ يا لها من مفاجأة في وقت يحمل قلبه ووجدانه مهمة جهادية ومصيرية مع إخوة له " ..يحمل لوازمه الصحفية كاميراته وقلمه وقلبه الشجاع، فالمعارك الدائرة ليس لها وقت ولامكان والعدو لا أمان له لذا عليه ان ينتقل معها أينما استعر وطيسها حاملا ببن يديه كفنه وروحه التي لا يعلم أي أرض سيودعها ويغادر إلى عليين ..
طلب منها أن تحدثه لى صفحته الخاصة ليتعرف عليها اكثر وليكون قريبا من قلبها : " .. اسمي أحلام من سوريا أعيش خارج بلدي أنا وعائلتي بسبب الحرب الدائرة هناك ."
قال أحمد " ما هي أخبارك يا أحلام؟ في الحقيقة انا معجب بكِ ..أقصد بصوتكِ وحسن إلقائك أنا أيضا أحب الشعر وأكتبه أحيانا " بادرته متسائلة : " أنت من العراق؟ أجابها نعم" قالت " أنا أحب الشعب العراقي أنه شعب عريق يتصف بالشجاعة والكرم ." " .شكرا لمشاعرك الطيبة عزيزتي دعينا من الحرب ولنتحدث عنكِ أعني عن الشعر أرجو أن تستمري في برنامجكِ فلديكِ من المعجبين كثر وأنا أولهم. وضحكا سويا ، شكرا لك يا أحمد ..عرف عنها كل شيء مثلما هي حفظته عن ظهر قلب أمست أحلام لا تنام إلا على أنغام صوته ُ فيمطرها من شعره ما يزيده ولها وتعلقا به..
أكثر من سنة مضت وأحمد بين نارين نار بعده عمن يحب ونار المواجهة مع العدو . وحينما تسأله عن أخباره لا يتردد في أن يطلعها عن خطورة الموقف..
رن جرس الهاتف ! نعم .أنا آمر الوحدة (س) ! حالاً.. أستُلِمَت .. انها أوامر من القيادة العليا جاءتهم بالتحرك فورا الى الجهة اليمنى من المدينة كانت مجاميع من العدو توغلت فيها ..
نهض أحمد مسرعا التقط كاميرته وهيأ نفسه وأعلن لصديقه آمر الوحدة التي كُلفت بالقيام في المهمة .رمقه بنظرات فيها من الخوف والقلق لم يعتد ان يراها أحمد في عيني صديقه من قبل ..قال لها ماذا هناك يا صديقي ؟؟ لم يرد كان شارد الذهن !! فهو يعلم طبيعة المواجهة وان العدو سيكون قريبا وربما ستتحول المعركة الى اشتباكات بالسلاح الابيض وذلك ما يخشاه على صديقه الصحفي العاشق .وأخذ يعانقه بحرارة " قائلا له انت بطل وشجاعا يا احمد ستكون مثار اعجاب الجميع ! "
بعد أسبوع على انتهاء المعركة ..وصل طرد بالبريد بإسم أحلام كانت قلقة جدا فهي تخشى ان يحمل لها مفاجأة لا تقوى على تحملها وأحست أن قلبها يعتصر من شدة الخوف ما هذا يارب. لا.. لا أكاد أصدق كان الطرد يحمل في داخله . كاميرا مع قلم اوشك على التفحم وقصاصة ضمنتها عبارة ..خذيني إليكِ وخذي ما شئتِ من عمري إلا الرحيل فلستُ أقوى عليه اعتني بنفسك وبأسرتك . اتمنى ان يكون اللقاء في اقرب فرصة . قبلاتي..
احمد .
انا بانتظارك على احر من الجمر !