لماذا خسرت أميركا والغرب المعركة في أفغانستان ...؟
ضرغام الدباغ
لماذا خسرت أميركا والغرب المعركة في أفغانستان ...؟
بين يدي بحث أقوم بترجمته عن الألمانية، وهو بعنوان " لماذا خسرت ألمانيا الحرب الصاعقة في الاتحاد السوفيتي " (في الحرب العالمية الثانية). وبالطبع التساؤل والبحث لا يدور عن جزئيات الموضوع في بل في مرتكزاته الأساسية، فالخطأ والنتائج الكارثية الكبيرة، غالباً ليس بسبب غلطة أرتكبها جنرال، ولا بطولة قام بها جنرال من الطرف الآخر، بل المشكلة تكمن في جذور الأمر وفي مبادئه واستراتيجيته.
وبهذا المنهج سنقوم ببحث النتيجة المريعة التي بلغتها الولايات المتحدة والتي بها سحبت معها التحالف الغربي بأسره إلى المأزق الذي لا مفر من نتائجه الكارثية، فلنقل بدون تزويق ولا تلوين للكلمات: الهزيمة مرة ساحقة، هزيمة سيكون لها تداعياتها الواسعة النطاق.
التساؤل يبدأ هل كان من الضروري أن تذهب الولايات المتحدة إلى أفغانستان ..؟ هل كان الذهاب للمغامرة الافغانية نتيجة غضب ..؟ أو دفاعاً عن هيبة الولايات المتحدة، أم كان قراراً ينسجم مع السياسة الأمريكية الشاملة، ومثلها كان أرتكب خطأ فيثنام وكمبوديا، ولاوس، وقبلها كوريا، التي ما تزال تمثل جرحاً نازفا للولايات المتحدة، مكلفة سياسياً واقتصاديا وعسكرياً. فالأمر في أفغانستان إذن لم تكن نزوة غضب ..!
الولايات المتحدة عاقبت الشعب الأفغاني بأسره، والاحتلال هو عدوان وإهانة، سوف تلاقي حتماً من يقاومها، والمقاومة وفق القوانين الدولية والوضعية، هو عمل مشروع، والولايات المتحدة اعتمدت فيه كلياً على عنصر واحد فقط: القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة، واستخدامها لمجلس الأمن وفق مشيئتها ...ولا شيئ أكثر من ذلك البتة.
وبناء على هذا الخطأ الجسيم، توالت أخطاء جسيمة أخرى، وانحدرت في لجة من القرارات الخاطئة. والأوربيون أذكياء، أصحاب خبرة طويلة في الحروب الاستعمارية والتوسعية وحروب التدخل، لذا تبينت أطراف أوربية عديدة الخطأ مبكراً وشخصته وتنبأت بهذه النهاية التعيسة، منها فرنسا، وألمانيا الاتحادية، وعبرت عن تشخيصها للخطأ بوسائل ناعمة. نقول ناعمة، لأن الولايات المتحدة تعتبر نفسها ذات دالة كبيرة على أوربا، بسبب دورها المهم الحاسم في الحربين العالميتين (الثانية خاصة) ومن ثم لعبت دور الحارس الأكيد والدرع الحصين لأوربا من اكتساح الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرق لأوربا الغربية. بوصفها العمود الفقري لتحالف الناتو (التحالف بين ضفتي الأطلسي). وكان رفض الذهاب لأفغانستان سيعد نسفا أكيداً لحلف الناتو، وللعلاقات الأمريكية الأوربية. وهذه معركة لم تكن القيادات الأوربية فتح أبوابها مع الولايات المتحدة.
فرنسا ديغول، عبرت بوضوح تام أنها ضد حروب من هذا النوع، ورفضت الحرب على العراق بوضوح تام، ولكنها سايرت الولايات المتحدة في الشأن الأفغاني، وبالطبع دفعت ثمن هذه المسايرة، ومثلها سائر الحلفاء الغربيين. وألمانيا بقيادة غيرهارد شرويدر رفضت الحرب على العراق بوصفها عدوانا واضحاً مخالفا بصراحة للقانون الدولي، ومن يشارك فيها يرحل على ملاكات خرق القانون ونتائجه.
وكنت قد أطلعت عام 2005 على محاضرة ألقاها المستشار الألماني الأسبق هيلموت شمت (27 / فبراير / 2005)، وهو من عباقرة من قادوا ألمانيا في كافة العهود، تحدث فيها هذا الاستراتيجي متشائماً عن مستقبل الغرب، وشخص مبكراً أن هناك قوى سياسية واقتصادية (اقتصادية خاصة)، وعسكرية وسكانية جديدة في العالم ونحن نشهد تغيرات، قد تكون في العقود المقبلة حاسمة، وعبر عن عدم رضاه عن الحلول والأساليب، ومن تلك قوله نقطة جوهرية " أن الولايات المتحدة، ما زالت تمتلك القوة للتدخل في أي بقعة في العالم، ولكنها غير قادرة على حسم الصراعات لصالحها ". وتصلح هذه الجملة لتكون مدخلا لدراسات وبحوث وتأملات في السياسة الدولية وفي ميزان القوى العالمي. وبتقديري أن المستشار الألماني المفكر، توصل بسرعة إلى رؤية العجز وإلى التخبط في زج القوى الحربية في مشكلات يمكن أن يجد العقل البشري حلولاً لها بعيداً عن القتل والتدمير، وأن الولايات المتحدة تمتلك (أو هكذا يفترض) أنها تمتلك القوى الفكرية للتوصل إلى حلول، القنابل والصواريخ ليس من بين وسائلها المعبرة. بمعنى أن بوسعها إشعال الحرائق، ولكن ليس إخمادها ....!
مشكلة القيادات الغربية، أنهم يتعاملون مع قضايا الشعوب الأخرى، وكأنها معطيات رقمية، يضعوها في ذاكرة الحاسوب، وهذه المعطيات لا تنظر إلى جوانب المنظر وتفاصيله الإنسانية، وبالتالي يتبين خطأ جنرال من لوس أنجلس، يتحدث عن الوضع الاجتماعي في قندهار، وبالتالي وفق المعطيات والحسابات الدفترية، فبرأيه أنه أكثر رقيا من مجتمع قندهار، وقد يكون الأمر مختلفا كلياً. ووفق تسجيلات أمريكية وغربية كثيرة (لدي ملفات تحوي على عشرات التقارير) أن العسكريين الأمريكان يظهرون من سوء التصرف والوحشية ما لا يفعله أي شخص غاطس في التخلف لفوق أذنيه، وأن التحضر ليس تناول المكدونل والهمبرغر، التحضر هو غير هذا تماماً .... أبعد بكثير.. إنها عملية إنسانية ثقافية متكاملة الأبعاد والأهداف. والمجتمع الأمريكي وعقله السياسي والتربوي والثقافي ينقصه الكثير جداً ليبلغ مستوى الأمن والسلام الداخلي، والشاهد على هذا الاحصائيات الأمريكية نفسها.
الأرقام والإحصائيات تشير إلى تزايد الإصابات العقلية لدى الجنود الغربيين، وميلهم الشديد للقتل وإطلاق النار بشكل عشوائي والتلذذ بالتعذيب والقتل والاعتداء الجنسي، وهذه نتيجة مدهشة لمجتمع يفترض أن أفراده يتلقون دراسة ابتدائية والمتوسطة والثانوية، ناهيك عن الجامعية، بمستويات راقية، وإذا بهم يأتون أفعال وحشية تندى لها جبين الإنسانية. ويمارس أفرداه السرقة والتهريب، وغسل الأموال، بما في ذلك سرقة ونهب الآثار والتحف الثمينة، والمصوغات الذهبية، والعملات. لم يعد سراً أن النظام التربوي الأمريكي فاشل، وهذا ما يصرح به علماء أمريكيون بارزون.
وخلاصة هذه التصرفات، أظهرت للناس في أفغانستان، وقبلهم في فيثنام أن ليس لدى هؤلاء ما يجلبوه لنا سوى الخراب والدمار والقتل والنهب، وبهذه النتيجة تم تصنيفهم كوباء يجب التخلص منه مهما كبرت التضحيات. وهذه القناعة مثبت الخطوة الأولى في مسرة الفشل التي أضطر الأمريكان للأعتراف بعد نحو عشرين عاماً أنهم اخطأوا وسينسحبون.
اخطأوا في فيثنام وانسحبوا، واخطأوا واعترفوا بأنهم سلموا العراق الرائع في طبق من ذهب للنمل الأبيض الإيراني، ملالي همج متخلفين يسحقون كل شيئ في بلد كان على وشك أن يغدر العالم الثالث ... لماذا ...؟
بين يدي تقارير كثيرة تتحدث عن الخسائر التي تكبدها الأمريكان والغرب في أفغانستان، الخسائر البشرية والمادية، وحتى في المصادر الرصينة منها متناقضة بشكل غريب، ولكن الخسائر في الأرواح بالنسبة للأمريكان لا تقل عن 3 ــ 5 ألف عسكري في أفغانستان، و 4 ــ 5 ألف عسكري من الناتو، أما الخسائر المادية فهي لا تقل عن ترليون دولار في أفغانستان، وعشرات المليارات لبقية دول الناتو أقدرها بين 50 ــ 100 مليار دولار. هذا ناهيك عن أعداد الجرحى والمعوقين ونفقات تشغيل الأنظمة الحربية (معدات، طائرات، سفن ..الخ). هذه الجهود والأموال والضحايا من كل الأطراف لماذا ...؟ ألم يكن بالإمكان استثمار ذلك في نتائج أفضل ..؟ في حرب لم تكن حتمية مطلقاً ...!
وهناك تقارير شبه مؤكدة تشير استناداً إلى معطيات أمريكية، كجمعيات المعاقين، والمحاربين القدماء، وجرحى الحرب، أن الخسائر الأمريكية هي أضعاف ذلك. فلقد ثبت أن الجيوش الأمريكية تستخدم أجانب بصفة جنود على أمل منحهم الجنسية الأمريكية، فإن قتلوا لا تعتبرهم أمريكيين، وهناك قتلى تعتبرهم ضحايا حوادث، كحوادث سقوط الطائرات مثلاً، ناهيك عن استخدام الولايات المتحدة شركات تقوم بالحراسات، والدوريات والقتال كشركة بلاك ووتر مثلاً، ولا تعتبر هؤلاء جنوداً في جيشها، وبالتالي ليسوا في عداد الخسائر الأمريكية. وتسجل لهم هذه البدعة الغير مسبوقة في تجنيد المرتزقة ..!
الغريب أن الولايات المتحدة والعالم الغربي يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان كثيراً، ولكنهم بالمقابل يستخدمون الأسلحة والقتل والاغتيالات، والمال للرشوة والفساد، ويسرقون وينهبون ويقيمون السجون السرية والعلنية ويمارسون التعذيب والتصفيات أكثر من غيرهم ... لماذا ..؟ الولايات المتحدة تقدمت بنظرية العولمة (Globalisation) وفي التطبيقات العملية كانت تعني فقط : دعنا نسرقك، وننهبك، ونحيلك إلى تابع، وإلا فأنت إرهابي تستحق أن نطلق صواريخنا عليك ..!
إلى ماذا ستقود مجموع هذه السياسات ..؟ هل ستؤدي إلى إعجاب الشعوب بالمبادئ والمثل الأمريكية ..؟ أم إلى احتقارها ..؟ كم خرج علينا كتاب ومدعي الفكر بلافتات " القوة الناعمة "، ومن هذا الدجل وشعوب العالم تكتوي بنيران صواريخهم .. مخلفة القتلى والجرحى والمعاقين ..! فلينظروا في سجلاتهم كم مواطن يقتل يوميا سواء بإطلاق النار المباشر أو بكسر عظام الرقبة (وهذا منجز بوليسي يسجل بأسم الحضارة البوليسية الأمريكية)، فليذكروا صراحة احصاءات عن الأعتداءات العنصرية ضد ملونين (ضد أصول أفريقية وصينية ويابانية وأسيوية)، فليصرحوا عن الاعتداءات ضد الساميين المسلمين واليهود المسجلة في سجلات البوليس، فليذكروا عدد المنظمات الإرهابية المسلحة التي تستهدف هذه الفئات، بل وحتى بين الطوائف المسيحية ذاتها (بروتستانت، كاثوليك، أرثودوكس شهود يهوة ....الخ)، وبعدها ليخجلوا من أعتبار أنفسهم المدافعين عن حقوق الإنسان، سيفاجأ القراء عندما يعلمون أنها بالمئات، ومن أشهر أعمالهم الإرهابية هو تفجير مركز التجارة العالمي في مدينة أوكلاهوما الأمريكية (19 / نيسان/ 1995) أسفر عن قتل 168 وإصابة 600 آخرين.
العنصرية موجودة في الولايات المتحدة منذ الحقبة الاستعمارية، فقد أُعطي الأمريكيون البيض امتيازات وحقوقاً انحصرت بهم فقط دوناً عن كل الأعراق الأخرى، منح الأمريكيون الأوروبيون (خاصة البروتستانت الأنجلوسكسونيون البيض الأغنياء) امتيازات حصرية في مسائل التّعليم والهجرة وحقوق التّصويت والمواطنة وحيازة الأراضي والإجراءات الجنائية طوال التّاريخ الأمريكي. وأقاموا مجتمعا عنصريا أعتدائيا في الداخل، توسعياً في الخارج ... لذلك يندر أن تجد شعبا لم يكتوي بنيران الإمبريالية الأمريكية.