الآن ، ما الآن !! / الشاعر سميح الشريف
-----------
يا واهبَ االآن كم أبقيْتَ من آني
فقد شَقيتُ وما كالآن أشقاني
تمشي الثّواني عِناقاً في تدفُّقها
علي أديمِيَ طوفاناً بطوفانِ
كالصّوْتِ أحْسَبُها هذي لذاك صدى
قد ضاع بينهما حدسي وحسباني
آتي وأذهبُ لا عِلْمٌ يعلِّمني
ولا مفاتيحَ ألقاها ببُنياني
وليس لي غيْرُ أسْماءٍ يؤلّفها
عقْلٌ أُحاوِرُه من خلف جدرانِ
طَوٍراً أُخَطِّئُه طوْراً يُخطِّئني
عرفتُ في ذاك من أَنِّي به آثنانِ
لي فيه شيْخان من حوْلي مثالُهما
أينَ التَفَتُّ حشودٌ فوق كُثْباني
كمثْلِ ذاك الذي قد طاش في قَطَرٍ
وذاك شاش النُّهى في آلِ نهْيانِ
كلاهما بي مُقيمٌ نَذْرَ عاصفةٍ
هبَّتْ تُدَوِّمُ في بيتي وأركاني
وزايدُ الْخَيْر كان الخيرُ أوّلَهُ
في إرْثه آلَ ، لا آلٌ له ثانِ
نَمْ يا عزيزُ فقد أوفى الزّمان بما
فيه تركتَ ألوفا حيًّا بأزْماني
---------
مَنْ أرْضعَ الدّاءَ أحضانٌ أباطرةٌ
غضًّا تربْرَبَ في بيتي وأحضاني
يجود من بيت مال المسلمين على
أَمَمٍ تراءَوْا ، وهم عُبّادُ أوثانِ
أنا مسيحٌ تعاليمي بواحدةٍ
حصراً بمن عنده في الدَّار ِ ثوْبانِ
كَرَزْتُ كمْ ألْفَ عامٍ لم أَجِدْ أَحَداً
في النَّاسِ مِمّنْ به للسَّمْعِ أُذْنانِ
ما في يدي أمسحُ الدّاءات ِ عن جسدي
فزارعُ الداءِ غذّاهُ وغذّاني
ضدّي يُمرِّض ضدّي في توحُّدِه
فمبدأُ الخلق في التكوين ضدّانِ
----------
أدري بأني هَديلٌ لا غصونَ له
ولا هواءٌ ، ولا البُسْتانُ بُسْتاني
فللنواميس وجْهٌ لا يُشاكلُني
وليس فيه فَمٌ مثلي وعيْنانِ
صديقُها ذاكَ من أوْعى تميمَتَها
لا فرْقَ ما بين إنسانٍ وإنسانِ
تُعْطي وتأخذُ ما أعْطتْهُ راغِبَةً
عنه لآخرَ شانٍ ، غيْرِ ذي شانِ
فللشُّموس هجوعٌ في مغاربها
وللمطايا رجوعٌ بعد إظْعانِ
أقْصيْتُ سيف الأماني عن مُخاصَرَتي
فما طِلابي المنى بالأحْمر القاني
------------
الآنَ، ما الآنُ ، خلْقٌ لست أُبصِرُه
أقامَ في بدني في ألف عنوانِ
مثلي تناسلَ حتّى صار بي أُمَماً
ترُصُّ أجيالَها آناً على آنِ
حتى تراءَتْ لعيني في تكاثُرِها
ما كان غطّى على شكلي وألواني
وغابَ تحت رُكاماتٍ مُهَدَّلَةٍ
ما كان أفوافَ زَهْرٍ فوق أفناني
فمَنْ رآني بحالي راح يُنْكِرُني
وقال هذا عجوزٌ داثِرٌ فانِ
كذاك كان مَنِ احْتُلّتْ مواطِنُهُ
مثلي غريبا بلا أهْلٍ وأوطانِ
قد داءَني داءُ قوْمي ، مَنْ يُمَرِّضُ مَنْ
فما شَفى عانياً طَبٌّ له عان
هُمْ كالدَّبى عَدداً ، شتّى مرابِعُهم
يمشون فيها كآلاتٍ بأبْدانِ
كأنّ للّه فيمن كان أَنْظَرَهُ
أعيا الرُّؤى بين إنسانٍ وشيطانِ
تمايزَ الخلقُ والأطيافُ واحدةٌ
فالنّارُ والنّورُ من ضوْءٍ ، له آسمانِ
------------
سميح الشريف