معاني الأضحى
القس لوسيان جميل
معاني الأضحى
حتى نعرف معاني الأضحى نحتاج الى بعض التوضيحات وفي مقدمتها معنى الرومانسية. فما هي الرومانسية؟ بعض الناس يندفعون وراء المعنى الشعبي، ويحسبون ان الرومانسية تعني الأمور العاطفية. غير ان العاطفية شيء والرومانسية شيء آخر تماما. فكلمة رومان Roman تعني القصة. هذه القصة ليست مجرد حكاية " كان يا ما كان". فالروماسية قصة يضعها الكاتب من خياله حيث يشير او يرمز ظاهرها القصصي على معناها الداخلي الوجداني، اي ما هو في البنى الفوقية للانسان من حب او كراهية. من امثال ذلك نجد الرومانسية في الشعر حيث يقال ان المعنى في قلب الشاعر. ونجد الرومانسية على المسارح المختلفة الأنواع. نجدها في المسرحية بكاملها او نجدها في لقطة واحدة من التمثيل المسرحي والقصصي. ونجدها في الحكايات الشعبية والقصص الخيالية الدالة على معانيها الحقيقية، ونجدها في الكتاب المقدس، مثل قصة يونان النبي، التي ليس فيها حرفا واحدا من الأرشيفية، وان قوتها في معانيها ومنها ان الله لا يهتم ببني اسرائيل فقط ولكنه يهتم بكل الشعوب ومنها الشعوب الوثنية مثل شعب نينوى. خاصة في الفصل الأخير حيث يقول الله ليونان: انت تأسفت وحزنت على شتلة قرعة افلا كان علي انا ان اعفوا عن هؤلاء الملايين والربواة من النينويين الذين تابوا ولم يكونوا يعرفون يمينهم من شمالهم؟ ان قصة يونان النبي ببساطتها وفي حقيقتها قصة لاهوتية عظيمة بالضد ممن ينسبون الى الله صفات تتناقض وطبيعته. والان نأتي الى الكتاب المقدس. فأول قصة رومانسية تواجهنا هي القصة التي نجدها في سفر التكوين المكتوب في القرن الثاني قبل الميلاد. فهذا الكتاب اذا نقرؤه قراءة رومانسية رمزية ونلاحظ اسلوبه الأدبي في كتابته نفهم ان كل جملة في ذلك الكتاب تعني معاني انسانية عظيمة، في مسألة الشر وعواقبه الكبيرة على البشرية جمعاء. ونجد في سفر التكوين ايضا حقيقة المرأة وكرامتها الانسانية التي لا تقبل التصرف. لأن سفر التكوين يقول بشكل رمزي ان المرأة مستلة من ضلع آدم وانها بشر مثله وليس فيها اية دونية. ونرى ايضا كيف ان الله يهيء للانسان دوما السبيل للخروج من محنته.
ونأتي الى اسفار الكتاب المقدس هنا نأتي الى اسفار الكتاب المقدس كلها، بعهديها القديم والجديد ونقول: اذا قرأناها قراءة حرفية نكون قد انحرفنا عن معاني الكتب المقدسة، ونكون نحن قد اعطينا لهذه الكتب معاني من عندنا ما انزل الله بها من سلطان. فنحن مثلا اذا قرأنا ظهور الله لأبينا ابراهيم كما في القصة وسفره الى مصر عن طريق يوسف الصديق والعودة من مصر نتيجة اضطهاد فرعون لبني اسرائيل وحسبنا ان كل هذه القصة هي قصة ارشيفية نكون قد اخطأنا الى معاني القصة كثيرا. ويبقى اللاهوتيون، في حيرة من انفسهم: كيف عبر بنو اسرائيل البحر، وكيف ضرب موسى عصاته وانشق امام بني اسرائيل البحر ولما خرجوا انطبق البحر على جنود فرعون، فرعون هذا الذي ضربه الله بضرباته بقتل بكر فرعون وابكار ابنائه ؟ ( ملاحظة ارى بكل تأكيد اننا في مسألة الضربات امام قصة رومانسية ولا وجود في الواقع لأي ضربات ) ما يقوله المسلمون في مثل هذه الأمور لا افنده ولا اناقشه، ولا علاقة لي به لا من قريب ولا من بعيد. انا انسان محلل علمي للقصص، وليس لأمور ارشيفية حدثت لبني اسرائيل. ولا علاقة لي لا بتفسيرات المسلمين او الهود انفسهم ذوي الشأن المباشر ولا بأية جهت تكفيرية، سواء كانت مسيحية ام مسلمة. ليكن ذلك معلوما يا اخوتي، لاسيما والى حد الآن من اية جهة سلفية لم تستطع ان تعطي اي دليل علمي( بدون نصوص رجاء ) على ان هناك اله مفارق يتكلم مع البشر. فما تسمى السماء غير موجودة اصلا الا في خيال بشر الحضارات القديمة ) ولا يجب اعطاء اية قدسة لاولئك البشر القدماء العائدين الى جضارات لمم تعد حضاراتنا بالمطلق.
نعود الى قصة موسى: اما الأن وبعد التوضيحات اعلاه نعود الى قصة موسى. ان قصة موسى، وكما يقول العلماء هي متطابقة تماما مع قصة سرجون الأكدي. ( موسى تعني المنشول من الماء بالعبرية. او حتى بالارامية القديمة. لماذا كان موسى منشولا من الماء، بحسب القصة التي ذكرناها؟ الجواب لأن اي ولد بكر كان يجب ان يقدم ذبيحة للآلهة. ونعرف تتمة قصة موسى ومرضعته التي نشلته من الماء. كما نعرف قصة سرجون الأكدي الذي نشل من الماء بعين الطريقة: طريقة المرضعة التي قالت هذا هو ابني. كما اني لا اعرف لربما كان ابناء الملوك يصيبهم ذلك المصير؟ربما بسبب الخلط بين قصة الضربات العشرة ووجود في زمن ما من تاريح الوثنية عادة تقديم الآبكار الى الالهة، ورؤما ايضا عادة وأد البنات. وعادة دفن الأرملة مع زوجها حية. اعتقد قد وجد العلماء شكل جرار صغيرة كان يدفن فيها الأبكار وتُوؤد فيها البنات.
امثلة على الرومانسية – اي الرمزية. من الأمثلة على الرومانسية حيث يكون ظاهرها القصصي يدل او يرمز الى باطنها نجدها خاصة في اتمثيل المسرحي وفي المسلسلات، يمثلها اشخاص لا علاقة لهم بدلالات هذه القصة الرمزية الداخلية.انسان يمثل شخصا شريرا واخرى تمثل امرأة وفية وأخرى تمثل امرأة خائنة، لكن الممثل لا علاقة له بمعاني هذه القصة لا من قريب ولا من بعيد. لأن المطلوب من الممثل ان يكون اداؤه جيدا يوصل المعاني الداخلية للمشاهد. يحكى عن الممثلين الشرسين غالبا ما يكونون اناسا طيبين للغاية. احدهم حكى قصته مع امرأة تهجمت عليه بقولها له: ماذا كنت تطلب هذه المرأة لكي تتهجم عليها بهذا الشكل. لازم عملت لك عملة. ويقول الممثل: يا اختي انا ممثل فقط ولا اعرف امرأة او رجلا بهذه الشراسة تجاه النسا. انا كان علي ان امثل رجلا قاسيا تجاه النساء، وليس في فكري اي رجل من هذا الطراز. ففهمت تلك المرأة معنى القصة الرمزية في التمثيل. على هذه الشاكلة يمكن تأليف آلاف القصص لا بل ملايين القصص تمثل ملايين الحالات الانسانية للبشر، رجالا ونساء وشبابا. لأن حالات الانسان المختلفة غير متناهية، وكثير منها يظهر خاصة بعد الانقلابات الحضارية.
الأن نأتي الى مسألة عيد الأضحى المبارك. مما هو معلوم ان بني اسرائيل كانوا قد دأبوا على ارشفة حياتهم كلها عن طريق ما نسميه الآن التاريخ الحضاري. تكلموا عن دعوتهم الخاصة بالاله الواحد عن طريق قصة ظهور الله لأبينا ابراهيم. وعن انتقاله الى مصر وعن خروجه من مصر وحتى وصوله الى ارض كنعان.
غير انهم كتبوا قصة خاصة عن ميلاد اسحاق ابنه الوحيد من امرأته سارة وتقول القصة الرومانسية الرمزية: بينما كان سيدنا ابراهيم يفكر في ولد يخلفة وهو محتار لأنه كان قد اصبح رجلا طاعنا في السن، وامرأته سارة كذلك. واذا بثلاثة ملائكة جاءوا وبشروه بأن امرأتك سارة في مثل هذا اليوم ستحبل وتلد مولودا يرثك. في الخيمة كانت امراة ابراهيم سارة تسمع ما قال له الملائكة الثلاثة من انها ستحبل وتلد لابراهيم ولدا يخلفه. فضحكت، ولذلك سمي ولدها اسحاق، اي يضحك. اعتقد ان الرقم ثلاثة يعني التأكيد على قضية. المعاني الدينية اللاهوتية المسيحية غير موجودة ولا معنى لها في هذه القصة.
اخ جلال اقتربنا من بيت القصيد: واذن بحسب التقليد الجاري في ايام ابراهيم، كان يجب على فاتح الرحم ( البكر ) ان يقدم ذبيحة للآلهة. هنا القاص لا علاقة له بابراهيم وانما يحكي قصة رومانسية رمزية فقط. ماذا تقول القصة: على ابراهيم ان يقدم ابنه الوحيد، ابن ألمعجزة للألهة. وتقول القصة بأنه على الرغم من وقوع ابراهيم في مأزق عظيم، الا انه آمن بأن الله سيعمل له شيئا ينقذه من مأزقه ذلك. اترون كم هذا الشعب الاسرائلي كان مغرما وبارعا في كتابة القصص الرومانسية في طول العهد القديم وعرضه. اما فيما يخصنا، فما علينا سوى ان نميز الأسلوب الأدبي الذي كتب فيه لكي نفهم معاني النص.علما بأن هذه القاعدة تسري على العهد الجديد بأكمله ايضا. الأمر الذي تسبب لنا السلفية الكنسية الجاهلة بعلم كتابة الكتاب المقدس في اضطهاد المجددين العلميين وتكفيرهم، في حين هم الكافرون بقراءتهم الحرفية الظاهرية لكتبنا المقدسة
في الطريق الى المحرقة: في الطريق الى المحرقة سأل اسحاق اباه قائلا له: يا ابتي هذا هو الحطب وهذه هي لوازم المحرقة، ولكن اين هي الذبية؟ فقال له والده ابراهيم:ان الله سيعطيها لنا يا ولدي. ومدد ابراهيم السكين الى ولده الوحيد وابن شيخوخته اسحاق على الممد على الحطب، ليذبحه، واذا بملاك يمسك ويشير الى كبش كان مربوطا هناك على شجرة. ابراهيم هذا الذي قال عنه مار بولس: لقد آمن فحسب له ذلك برا. انها قصة الايمان حقا، فلا نجعلها مناسبة احتفالات وتقديم التهاني فقط، بل ليكن لنا ثقة بأن الناس من حولنا لهم الحق الانساني المطلق في الحياة الجسدية والروحية الحرة الكريمة،غير قابل للتصرف، فلا يحق لنا ان نرفع سكيننا بوجههم تحقيقا لأفكارنا الحضارية الخاصة ولمصالحنا المتنوعة وان كانت لها صفة قانونية. فالبشر ممكن ان يكونوا طيبين ومؤمنين حتى وان كان ايمانهم خارج الشرائع المتعارف عليها وخارج التقاليد. لا يجوز للانسان ان يكون حكما على حياة البشر الخاصة الجسدية والروحية. الآيمان اليوم يعني بأن تكون لنا ثقة بأن كل الناس صالحين بحسب شريعة وجدانهم الأساسية وهي الشريعة غير قابلة للتصرف. هذا هو معنى الأضحى الحقيقي الا الناس الذين يعتدون على الآخرين، وهم موجودون بين بعض المسلمين وكثيرا من المسيحيين، ياسم الايمان في حين يكون الايمان بعيدا عنهم. هؤلاء فقط لا يملكون حقوق التصرف الحر، الذي نتكلم عنه، وتحق محاربتهم بشكل مناسب.