غَفْوَة بقلم د. إحسان الخوري
كانَ يتلوَّى بين الشَّهيقِ والزَّفيرِ
رَذاذُ الأكسجين تَدَفَّقَ بِغَزارَةٍ
لَكِنَّ الرِّئَة أَبَتْ تَغَلغُلُهُ
هي تَشنَّجت وخَذَلت الرَّجُل
نَظَراتُ العائِلة تَسَمَّرت
بعضهم ارتَخَت رُكبَتاه
والبعض تَوقَّفَت أنْفاسه هُنيهات
آخرون فَغَروا أفواهَهم
وثَمَّة واحدة صارت فاقِدة الوَعي
فَجْأة سَكَنت حَرَكاته المَحمومَة
جَسَدُه لم يَعُد يَحتَشِد ويَفيْض
هل انْدَلَقَت رُوحه بَعيداً
هل كانَ مَذاقُ المَوت لذيذاً
أم صارَ هواءُ الأرض مَمقوتاً
الحَناجِرُ تَأهَّبَت
الأصواتُ تَنادَت
تَعَبَّدَتِ الآهاتُ
نُواحٌ وعَويْلٌ واستِغاثَةٌ بِالسَّماءِ
وذُبِحَت بِحناجِرهم كلَّ الفُصول
رُبَّما صَمَتَت أُذْناه عَن السَّمَعِ
أو رُبَّما التَصَقَ فَكَّاه بِقُوَّةٍ
أو تَهَشَّمَ الصُّراخُ بِداخِلِهِ
وبَقَيَت أجْزاءُهُ مُتَناثِرَة في فَمِهِ
أو غَفَى مَذْعوراً أمامَ نَحيْبهم المُريع
تَدَحرَجَ الزَّمَنُ بِثَقالَةٍ
الَّليلُ أسدَلَ سَتائِرَهُ
الأضْواءُ لم تُكن خافِتة
لكنَّ حركاتهم كَمَنْ يسيرُ في الظَّلام
واحدةٌ طأطأت رأسَها
آخَرٌ واهنٌ أحشاؤهُ تذوبُ
وآخرون يجيؤونَ ويذهبون
هو ارتفَعَ على مَرفِقَيهِ
نظرَ إليهم بِذُهولٍ ووجومٍ
ثم تَعِبَت مَرفِقاهُ
فهبطَ على ظهرِهِ هامِداً
هو لايدري إن كانَ حيَّاً
عادَ الضَّجيجُ صَفيقاً مِدراراً
أغشى الحُزْنُ بَصيرَتَهم
فأوْصَدوا التَّابوتَ على عَجَلٍ
حَمَلوهُ على الأكتافِ
نظراتُهم ترومُ مَدفَنَ العائِلةِ
وهناك أنْزَلوهُ
فَأَخْمَدَ التُّرابُ بقايا ارتِعاشَة الجَّسَد
وحُفِرَ على القَبْرِ غَفْوةُ رَجُل