يا بحْرُ يا بحْرُ ! / المرحوم الشاعر نزيه خير
اُسْتُجْمعْتَ من دَمعينْ
فَمنْ أديمِ الأرضِ صحْراء
ومنْ شكلِ السّماءِ ارْتقاءٌ
ومن معجزةِ الرّياحِ لقاءٌ
مُرور َطوافٍ على سجيّةِ الأركانْ
أَيعْقَلُ أَنْ يرويكَ ماءٌ
أمْ يُعَلّل جرحَكَ الدّاميَ ملحٌ
فَيكونا لدائِكَ الدّواءْ
يا بحرُ يَقرأُكَ الموجُ
سلطانَ الطّوفانِ
خشوعَ الحيتانِ
وسجودَ اللآلئ والمرجانْ
في سرّ هديِّ ليلِكَ
من سورة البقاءْ
يا بحرُ بَوحي مناخٌ قديم
لواحدٍ أحدْ فردٍ صمدٍ رحيمْ
رفيقَ سهوتي ويقظتي
يُلبّي دَعوَتي
يمسحُ دَمعتي
يغفرُ زلّتي
يحبّني حبّا معصوماً عن الأَبد
سرمديّ الوقتِ والمكانِ والأمَدْ
فهلّا تُغرقُني
في غفرانِ مائكَ العظيمْ
يا بحرُ استحلفُكَ بعشبِ الطّحالبِ
من قعرِ الغائصِ إلى شهيقِ الشطآن
والسّرِّ الذي تنفست بفضلِهِ الأكوانْ
والّذي نَسَمَتْ نفْحتُهُ : كُنْ ! فكانْ ..
يا بحرُ عَمّدْني زماناً
يا بحرُ عَمّدْني مكانْ
واحفظْ لي موعِدا ووعْداً
مذ سُجّلَت في حبرهِ الأحيانْ
ثُمَّ يا بحرُ اغسلني وبلّلني قميصاً
يؤانسُ مساءَهُ بدْرُ الضياءِ
وأخْضَرُ الزّمانْ .