المحبَّة و الكآبة / بقلم د. إحسان الخوري
إنَّ للربّ والطبیعة أسالیب تخرج عن نطاق فهمنا واختصاصنا نحن البشر ، أيُّ كائن یستطیع أنْ یُحِبَّ ، لكن ھل یستطیع أنْ یتحكَّم بهذا الحُبّ ..؟ وبالعودة إلیكِ رأیتك أنتِ مُترفة المَشاكِل ، مُترفة المَشاعر ، مُترفة الأحرف والكلمات و مُترفة الرُّوح ،
مُترفة الجَّسد ، ومُترفة الصَّوت ، مُترفة بمآسیكِ ، مُترفة بآلامكِ ومُترفة بترفكِ .. أما ما تبقى مِنكِ فیعیش على بقایا تاریخ طفولتك وتاریخ إنسان نزل في غیر محطَّتكِ أترفه النَّدم فبكى ألف عام بدموع مُترفة ، دموع ثریَّة لحدِّ التُّخمة ، ثریَّة بكلِّ شيءٍ إلا منه ...
وأنتِ ولِدتِ بالألم ، ولِدتِ بالأمل ، أنتِ ولدتِ وفقط ، وأنا أجدُ وجه شبه كبیر بینك وبینيفكلانا مِن الله أتينا ، أقول ما أقول لیس حُبَّاً إنَّما لأنِّي معكِ لأكتشف قُدرتي بِأن أُصبِح وھماً وخیالاً ودخاناً ، وتتراءى لي صورتكِ مع شمس كلّ صباح مورَّدة الشَّفتین تتملَّككِ الرِّفعة على عصفور سَقَط سهواً بین عینیكِ وأمَلَ بمجھولٍ تخافُه العذارى .
أنا لا زِلت مُستیقظاً مُتیقِّظاً على الفِراش وسیُغالِبني النَّوم في النِّهایة وسأقبع وراء حائطٍ ضخم بما یكفي لحجب كلّ البشر خلفه و لكلِّ مِنَّا ثقبه فى الجِّدار ولكلِّ ثقب إسمه و خصائصه ، قد نرتحِل من ثقب لآخر و ھذا یتطلب جهد بمقدار بعد الثُّقب وبمقدار اتساعه فهناك ثقب للحبِّ وغیره للغباء وآخر للإكتئاب ، آهٍ كم ھو قریب ثقب الاكتئاب ونظراً لصغر السِّنِّ و صغر الحجم قد لا یصل الطفل الصغیر للثقوب المُعلَّقة عالیاً في الجِّدار كثقب الحِكمة أو ثقب الادراك والعكس
لكبار السِّنِّ فقد لا یصلواً أبداً لثقب الحَداثة فهو بعید والإرتحال إلیه یتطلَّب مجهوداً كبیراً لا یتحمَّله كَهْل التصق بِثُقب الخِبرة وكم ھو واسع ثقب البلاھة إنَّه یضمُّ الملیارات ... أعتقد أنَّ عليَّ أنْ أجِد طریقة لِلنفاذ عبر الجِّدار ، وإلاَّ سأنضمُّ لِرفاقي خلف ثقب البلاھة فهو الأقرب لثقب السعادة و لكن إنْ قرَّرتُ رؤیة العالم كامِلاً ھل سیكون حقاً كما أتوقعه أمْ سیتغیَّر .. إنَّ العالَم لا یتغیَّر بل إنَّ نظرتنا إلیه ھي ما یتغیَّر .
كان ھناك شخصٌ آخَر على بُعد الآف الامیال یظنُّ العَكس ؛ یظنُّ أنَّ العالَم سیتغیَّر عِندما تتوقَّف القِطط عن التَّهیُّوء للھروب وإنَّ العالَم لیس عدیم الكینونة بل إنَّه مكان رائع خلف أي ثقب كان وإنَّه یشبه فتاة تُداعِب الفراشات في إحدى مزارع استرالیا ...
إنَّ الكآبة ھي مأساة ؛ أمَّا كآبة المِئات فهي مسألة إحصائیَّة تضع حدوداً للإبداع وكلّ عباقِرة التَّاریخ قد تمرَّدوا على كآبتھم عِبرالمشاعر التي ھي شیئاً جمیلاً ولوحة فنیَّة رائِعة ترسم نفسها بكلِّ جُزء من الجسد . والكآبة ھي سمكة السَّردین ، وھي حوتٌ اتَّبع القواعِد حرفیاً ، وھي المَلل مِن أحلام الیقظة أحلام المال أو السُّلطة أو الحبِّ أو الاحترام أو القوَّة أو غیرھم عِند الفشَل في الحُصول على أيٍّ مِنهم .
أمَّا المحبَّة فهي بالمُختصَر ذات نكهات مُختلفة ، كالنَّكهة الحقیقیة للقُبلة ونكهة ألوان الكون والمجرَّات ونكهة الابعاد ، ونكهة مَلمَس أجساد النِّساء .